+ A
A -
عمار ديوب كاتب سوري
كحارسٍ محترفٍ لها، آمن بالثورة في بلاده سوريا. أغواه جمالها وجمالياتها، فحازت على قلبه، وأصبحت رئتيه اللتين يتنفس بهما. عشقها بوجدِ الولهان، وغنّى لها، وخَطبَ بأهلها. لم يترك مناسبةً إلّا وكان في مقدمة نشاطاتها، واحتفالاتها. لم يكن قبلها (العام 2011) يتقن الصلاة؛ الألم والحصار والجوع والاعتقال والموت تستدعي الله والأنبياء، حينها تعلّمَ بعض أصول الدين وصلى لرب العباد، ليجد للبلاد خلاصاً من الأهوال التي بدأت معالمها بالظهور. لم تكن نصرةُ الدين هدفه، ولن تكون، فلهذه الغاية أصحابها وأهلها وتجّارها ومجانينها؛ كان يبتغي مؤازرة مدينة درعا، والإفراج عن المعتقلين، والاعتراف بالحريات، وإيقاف الفساد وكل أشكال التطييف. رَغِبَ ابن الثامنة عشرة بإصلاحٍ يُجنب البلاد المآسي التي صارت إليها، ولكنّ هذا الإصلاح لم يأتِ. بعدها تكثف القتل الهمجي، والذي كان سبباً في الانتقال من الإصلاح إلى الإسقاط.
أحبَّ عبدالباسط الساروت سوريا «جنّة جنّة جنّة»، ليس لنفسه أو لطائفته، بل أحبّها من أجل كل السوريين؛ فهو ابن حمص، حيث التعدديّة بكل أشكالها، مسيحيين وعلويين وسنّة، بدوا ومدنيين، عربا وتركمان وشركسيين، سفورا ومحجبين، شيوعيين وبعثيين وإخوانا... وفي الثورة تَشاركَ تأييده لها، وانخراطاً فيها، مع باسل شحادة وفدوى سليمان، وآخرين كثر، ومن كل الانتماءات. قوبل حبّه ذاك بمزيدٍ من القمع والقتل والمجازر والدمار والحصار والتطييف وتقسيم حمص على أساسٍ طائفي! رفض النظام الاعتراف به وبالثورة، وغرقت أغلبية قيادات المعارضة بالفساد، وبترتيب علاقاتٍ تصبح عبرها أداةً للدول، وتنفذ سياساتها وتَحمِلها على طبقٍ من ذهب إلى السلطة. ليس الساروت سياسياً، ولم تمدّ له يدُ المساعدة؛ حُوصر وجاع وأكل أوراق الشجر، ونحف. ولكنه لم يُصالح، ورفض كل عروض الإغراء، وأصبح من المطلوبين للنظام وبكل السبل، قتلاً أو أسراً، وخُصص لمن يقتله مال، وداهنه بتسويةٍ تُعطيه امتيازاتٍ كُبرى؛ لم يقبل الحارس، ولم يداعبه حلم العودة إلى الطاعة وأيّة طاعة أخرى.
حوصر عبدالباسط الساروت في حمص، وحاول الصمود بكل السبل. ويقول الموالي والمعارض إن الأحياء التي أصبح يحكمها مع آخرين لم تتعرض للسرقة والنهب والتعفيش؛ إطلاقا ومطلقاً، فقط أخذوا الطعام والوقود، أي ما يقيهم من الموت جوعاً أو برداً. هذا يوضح الأخلاق التي يستند إليها الرجل، والحلم الذي يسعى إليه، فهو لم يكن إلّا ثوريّاً، وفعل كل ما يستطيع للوصول إلى غايته. قُتل أهلُه، وأصيب أكثر من مرّة وقُتل رفاقه. وحينما غادروا مدينته، خرجوا بأسلحتهم الفردية، ومن لم يمت من أهلٍ ظلّوا مع أولادهم المقاتلين. وبعزيمة العودة إلى حمص؛ لم يغادر ذلك الحلم، وظلَّ يجول في فؤاده، وكأنّه حبيبته السرية، ولكنها المعلنة أيضاً، فتطابق في وجدانه السر والعلن، ومات وهو يسعى إلى هدفه. كان في وسع الساروت استثمار أنه رياضي، ومغنٍّ، ولديه حقيقة وأسطورة الحصار والصمود، واستشهاد كثيرين من عائلته؛ أبى إلّا العودة إلى ميادين القتال. من هنا، يمكن أن نفهم أسطورته، والحب الذي كان له قبل الاستشهاد وبعده.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
13/06/2019
1231