+ A
A -
قد يكون الهجوم العسكري الحالي على إدلب -الذي يقوده جيش النظام السوري وتدعمه روسيا- أول عمليةٍ عسكرية هامة لا تشترك فيها الميليشيات التابعة لإيران، فالوحدات المهاجمة الأساسية من القوات النظامية هي وحداتٌ مؤيدة لروسيا في الجيش النظامي السوري، مثل قوات النمر التي يقودها سهيل الحسن والفيلق الخامس الذي يقوده زيد صالح.
يكشف غيابُ القوات المؤيدة لإيران عن معركة إدلب، عن عددٍ من التكهنات الجديدة حول الخلافات بين روسيا وإيران في سوريا، كما نشرها موقع Al Monitor الأميركي:
موسكو مهتمةٌ بأن تشهد تقلُّص النفوذ العسكري الإيراني في سوريا، رغم أنها تدرك أن هذه العملية ستأخذ وقتاً طويلاً وجهداً بالغاً. علاوةً على ذلك، تعرف روسيا أن إيران متجذِّرة بعمق في قوى الجيش والأمن السورية، إن لم يتم استبدال البنى التي كوَّنتها إيران في سوريا ببنى مماثلة لها مؤيدة لروسيا، فإن الفاعلية القتالية للجيش السوري ستكون عرضةً لتضاؤلٍ شديد. لذا، وفي سبيل إزالة النفوذ الإيراني على بنى الجيش السوري، يجب أن يتم إصلاح هذه البنى:
أولاً، عبر دمج الميليشيات المؤيدة للنظام في الجيش السوري النظامي، إذ تشكل هذه الميليشيات معظم قوات الأسد.
ثانياً، يجب أن يتم تحديث البنى القيادية والإدارية لهذه الميليشيات لتواكب المتطلبات الحديثة.
لكن وحتى الآن إيران هي الطرف الوحيد الذي يعمل بفاعلية لدمج الميليشيات مع الجيش النظامي، ونتيجةً لذلك فإنها تخلق عقباتٍ أكثر أمام فصلِ ميليشياتها عن جيش النظام السوري، لذا وفي سبيل تقليص النفوذ الإيراني، حتى ولو على المدى البعيد، تحتاج روسيا إلى الهيمنة على عملية «إصلاح» الأنظمة العسكرية والأمنية السورية، وإلى الدفع بأجندتها الخاصة قدماً.
أين مدخل روسيا للهيمنة على الجيش السوري؟
لكن روسيا ستواجه عقباتٍ جادة من هذه الناحية، فهناك وحدتان فقط مسلحتان في سوريا يمكن أن تُعتبرا مؤيّدتين لروسيا، أو أن تُصبحا موطئ قدمٍ لروسيا في هذا الصراع، وهما قوات النمر والفيلق الخامس.
قوات النمر، هي القوات الأكثر فاعليةً في الجيش السوري، وقد حلَّت هذه القوات المدعومة روسيّاً محلَّ فرقة المدرعات الرابعة المؤيدة لإيران، ومحل حزب الله اللبناني كتشكيلٍ هجومي أساسي. وكانت المخابرات الجوية السورية قد شكّلت قوات النمر كقوة مهماتٍ خاصة، لكنها أصبحت وحدة مهاجمة مميزة في الجيش السوري، بعد أن تم تعزيزها بالأسلحة الثقيلة، وقد ساهمت روسيا بقوة في هذه العملية.
قوات النمر مكونة من لواءين مقسَّمين إلى 24 مجموعة، تمتلك معظمها قدرةً قتالية تتراوح بين القدرة القتالية لسرية والقدرة القتالية لكتيبة. ورغم أن تعداد أفراد الوحدات المهاجمة في قوات النمر هي حوالي 4000 جندي مشاة، بالإضافة إلى عدد غير معروف من جنود المدفعية والمدرعات، إلا أن العدد الإجمالي للجنود المرتبطين بها أعلى من هذا بكثير غالباً.
الفيلق الخامس، ورغم التوقعات الكبرى التي أملها الجيش الروسي منه، فلا يزال في طور الاندماج في الجيش السوري النظامي. يتألف الفيلق من 25 ألف جندي و8 ألوية مكونة من أفراد الميليشيات التي تم حلها أو من أفراد موالين للنظام ولا ينتمون بشكلٍ رسمي للفيلق، لكنهم خاضعون لقيادة الفيلق الذي يقوم أيضاً بتسليحهم.
الفيلق الخامس أقل فاعلية وقدرة قتالية من قوات النمر، وقال مصدرٌ عسكري روسي لموقع المونيتور، إنه وخلال عملية إدلب الحالية اشتكى قائد قوات النمر للروس من ضعف القدرة القتالية للفيلق الخامس.
يشمل الفيلق الخامس لواءَ البعث وجنوداً من لواء صقور الصحراء وكوماندوس البحر، كما أن بعض الكتائب العسكرية الخاصة التي تم حلّها في عام 2017 دُمجت مع الفيلق. لواء القدس من فلسطين ووحدة صيادي داعش -وهي الوحدة المسلحة المكونة من مسيحيّي سوريا- خاضعان للفيلق الخامس أيضاً، لكنهما ليستا جزءاً منه رسمياً. بالإضافة إلى ذلك، تم دعم اللواء الثامن من الفيلق بالمسلحين من الجنوب السوري، الذين قبلوا شروط المصالحة مع النظام، ويحتمل أن يتشكل لواءٌ مشابه في محافظة السويداء.
تقوم روسيا بتطويرٍ متعدد الجوانب لقوات النمر -وهي وحداتٌ ميدانية تابعة للمخابرات الجوية السورية- وللفيلق الخامس المكون من تكتّل ميليشياتٍ متعددة. لكن المخابرات الجوية السورية تبقى تحت النفوذ الإيراني، لذا لا يمكن اعتبار هذه القوات مثالاً لإصلاح الجيش السوري، على الأقل من وجهة النظر الروسية، كما لا يمكن أن تصبح أساساً لجيش سوريا المستقبلي.
ما الأوراق التي تملكها إيران في المقابل؟
تقترح إيران سيناريو أكثر تماسكاً لإصلاح الجيش النظامي السوري، فإيران تؤيد إما تكوين تشكيلاتٍ عسكرية جديدة أو توسيع تشكيلات الجيش الحالية، بحيث تندمج معها القوات غير النظامية.
فرقة المدرعات الرابعة مثلاً، التابعة لماهر الأسد، تقوم وبالتدريج بضمّ الميليشيات الشيعية القوية، سواء المحلية منها أو العراقية. ستصبح هذه الميليشيات كتائب تابعة للفرقة، وسيتمتَّع جنودها بجميع مزايا القوات النظامية، وقد اندمجت فصائل مثل لواء الإمام الحسين -وهو الفرع السوري لحركة حزب الله النجباء- وفصائل سيف المهدي إلى الفرقة الرابعة بالفعل. وتتنافس الفرقة المدرعة الرابعة مع الفيلق الخامس في تجنيد المسلحين الذين وافقوا على المصالحة.
الحرس الجمهوري السوري، تسعى إيران أيضاً إلى توسيع نفوذها على هذه القوات، فمثلاً يتضمَّن اللواء 105 من الحرس الجمهوري لواءَ أبوالفضل العباس الشيعي العراقي، كما أن لواءً آخر شكّل أساس الفيلق الثلاثين بالحرس الجمهوري، وذلك حين دمج عدة ميليشيات معاً، بما فيه قوات الدفاع المحلية (التي شكلتها إيران في حلب).
فلمن يكون النفوذ الأكبر في الجيش السوري؟
لا تزال روسيا تمتلك الفرصة لتطبيق خطةٍ بديلة، إذ يقترح بعض الخبراء تشكيل ثلاث قيادات عملياتية مرتكزة على طواقم الفيالق الباقية من الجيش السوري. يمكن لهذه القيادات أن تزوَّد مستقبلاً بسلطاتٍ قيادية مناطقية على كل القوات النظامية والميليشيات التابعة لسطلتها. وعلى هذه الميليشيات أن تكون خاضعةً لسلطة هذه القيادات العملياتية.
ورغم أن إيران تعمل على الحرس الجمهوري والفرقة المدرعة الرابعة، فإنها غير قادرة على إجراء إصلاحاتٍ كهذه في كل فصائل الجيش السوري، وهذا يشكل فرصةً لروسيا لأخذ المبادرة وتشكيل مراكز عمليات مناطقية، يمكنها أن تتمتع بسلطةٍ على كل الميليشيات الموجودة.
في هذه الحالة، يمكن لروسيا أيضاً أن تسهل عملية حل الفصائل التابعة لإيران، وإبقاء تلك التي يمكن لموسكو الاعتماد عليها. يمكن لألوية الفيلق الخامس أن تنضم إلى التشكيلات النظامية في الجيش السوري كتشكيلاتٍ مستقلة تابعة لروسيا. بشكل مشابه، يمكن للقيادات العملياتية المناطقية أن تشمل المجموعات التكتيكية التابعة لقوات النمر، وهو ما يضمن تعزيز النفوذ الروسي في هذه القيادات.
copy short url   نسخ
13/06/2019
2229