+ A
A -
جمال الهواري كاتب وصحفي مصري
لو قمت بطرح تساؤل بسيط مختصر على أي مواطن عربي -من خارج دوائر الحكم والمرتبطين بها- عن أكثر دولة عربية صنعت لها أعداء لا يمكن حصرهم في المنطقة العربية لجاءت غالبية الإجابات (السعودية والإمارات)، قد تختلف الأسباب الواقفة خلف تلك الإجابة.
لكن يبقى العامل والسبب الأهم هو أن الدولتين ما وجدا هناك أي تحرك ضد مصلحة الشعوب، خصوصًا في العقد الأخير بالتزامن مع انطلاقة ثورات الربيع العربي إلا وكانتا تقفان وراءه بالتمويل والدعم متنوع الصور والأدوات، ولم يقتصر هذا على دول الربيع العربي بموجتيه الأولى والثانية، بل تخطاه ليمتد لمناطق أخرى في إفريقيا، وإن كان هذا الشق يخص الإمارات أكثر من السعودية التي تراجع تأثيرها هناك بدرجة ملحوظة.
العلاقات السعودية-الإماراتية تبدو في ظاهرها تحالفا وثيقا وتطابقا لوجهات النظر وسيرا في طريق واحد خاصةً بعد الصعود الصاروخي لولي عهد السعودية محمد بن سلمان وما تسرب من وثائق عبر (ويكليكس) وتقارير استقصائية وغيرها من المؤشرات التي دلت على أن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وبشراكة مع كوشنر هو المحرض الرئيسي له في هذا الصعود العنيف لغايات في نفسه ولأهداف ترمي لتعزيز سلطته وملكه القادم ولضمان وجود حليف له يجلس على العرش السعودي في علاقه تشبه التلميذ بأستاذه مما يساعده في تحقيق أحلامه وأهدافه بالوصول لتكون الإمارات وريثة الدور السعودي في المنطقة أو ندا لها على أقل تقدير، وربما تكون النقطة الأخطر في هذا السيناريو والتي لا تصب في مصلحة الدولة السعودية هو انقضاض محمد بن سلمان على الركائز الأساسية التي كانت تضمن الاستقرار للدولة منذ تأسيسها الثالث عام 1932 وتتمثل في تماسك الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية وهو ما قام ولي العهد السعودي بضربه في الصميم بتنحية الأمير محمد بن نايف -خصم محمد بن زايد- من ولاية العهد وما جرى لباقي الأمراء واعتقالات الريتز ودفعه بإيعاز من بن زايد لتهميش المؤسسة الدينية والعداء لتيارات وحركات الإسلام السياسي كافة بعد أن كان مقتصرًا ومحصورًا في جزئية الخلاف العقائدي مع إيران والركض في اتجاه علمنة الدولة وهو ما ساهم في تقليص النفوذ السعودي والذي كان الجانب الروحي يمثل مدخلًا وعاملًا مؤثرًا لصالح المملكة في العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة للصعوبات المتزايدة التي يعاني منها الاقتصاد السعودي نتيجة لقرارات ومغامرات وصفقات ولي العهد غير المدروسة والتي قام بها وعقدها مع أطراف عدة خارجيًا لتمهيد وضمان صعوده للعرش.
لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الملف الضخم المليء بخلافات سعودية-إماراتية منذ عشرات السنين وحتى قبل تشكل الدولتين في إطارهما السياسي والجغرافي الحالي، هذا الملف ومهما حاول الطرفان تجاهله في الوقت الحالي يبقى نقطة رئيسية تجعل التحالف بينهما عرضة للانهيار في أي لحظة خاصةً بعد ما جد على الساحة من مستجدات وتوالي الحوادث التي أكدت أن الرابح الأكبر وربما الوحيد جراء هذا التحالف هو الإمارات، فبينما يزداد التورط السعودي في حرب اليمن دون مكاسب حقيقية وكلفة مادية بمئات المليارات، ناهيك عن الكلفة البشرية وتهديد جماعة الحوثي المستمر للحدود وداخل المملكة، والحشد والاستنفار الدائم للجيش السعودي على مدار عدة سنوات، وفي المقابل تبتعد الإمارات عن أي صراع عسكري مباشر على الأرض وتستعين في كثير من الأحيان بعناصر مرتزقة وتحالفات قبلية داخلية وتكتفي بتأمين وتعزيز سيطرتها على الموانئ وأرخبيل سقطرى وهو ما يمثل نقطة انطلاق وتمدد نحو مضيق باب المندب الاستراتيجي والبحر الأحمر والقرن الإفريقي وكانت السعودية تعتبر نفسها الطرف الوحيد الممثل للخليج هناك، وفي مصر يبدو الحليف الانقلابي عبدالفتاح السيسي أكثر قربًا من الإمارات ويمنحها المزيد في المجال الاقتصادي والتبعية في السياسة الخارجية بدرجة أكبر من تلك التي تربطه بالسعودية وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وأيضًا ما يمكن وصفه بالتخاذل الإماراتي عن دعم ولي العهد السعودي في ملف الاغتيال المروع لجمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع أكتوبر الماضي.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
16/05/2019
652