+ A
A -
كنت في زيارة خلال شهر رمضان المبارك الجاري إلى جمعية خيرية عربية ذات صفة دولية. ودخلت في حوار عابر مع أحد كبار المسؤولين في هذه الجمعية حينما حاولت تشجيعه بتبني منهجيات ومبادئ تطبيق المسؤولية المجتمعية وفق المواصفة العالمية ذات الصلة بالمسؤولية المجتمعية (ايزو26000) في جمعيتهم. فكان رده، «بأنه بعد سلسلة حوارات داخلية وصلنا إلى قناعة بأن المسؤولية المجتمعية خاصة بالشركات والمؤسسات التجارية فقط». فكان لابد لي من أن أكتب في مقالي توضيحا حول هذا الأمر والتطور الذي حدث في تطبيقات المسؤولية المجتمعية عالميا. وفي الحقيقة لقد استخدم مصطلح المسؤولية المجتمعية بشكل موسع في أوائل السبعينات وذلك على الرغم من أن السمات المختلفة للمسؤولية المجتمعية كانت ضمن التدابير من قبل المنشآت والحكومات في القرن التاسع عشر أو قبل ذلك في بعض الحا?ت. ولقد كان التركيز على المسؤولية المجتمعية في الماضي يوجه بشكل أساسي نحو ا?عمال التجارية حيث إن مصطلح «المسؤولية الاجتماعية للشركات» ? يزال أكثر شيوعا لمعظم ا?شخاص بشكل اكبر من مصطلح المسؤولية المجتمعية، بالرغم من أن هذا المصطلح قد تجاوزه الزمن مع اتفاق العالم على مرجعية عالمية متمثلة في المواصفة القياسية الدولية الأيزو26000، والتي اعتمدت مصطلح «المسؤولية المجتمعية» كدلالة لهذه الممارسة. كما ظهرت الرؤية المتعلقة بتطبيق المسؤولية المجتمعية على كافة المنشآت نتيجة ?ن أنواعا مختلفة من المنشآت – وليس فقط المنشآت التجارية - أدركوا أنهم مسؤولون أيضا عن المساهمة في التنمية المستدامة. وتعكس عناصر المسؤولية المجتمعية توقعات المجتمع في وقت معين، لذا فهي عناصر ذات طبيعة متغيرة. وحيث إن اهتمامات المجتمع تتغير، فإن توقعاته فيما يتعلق بالمنشآت تتغير أيضا لتعكس هذه ا?هتمامات. كما كانت نظرية المسؤولية المجتمعية وتطبيقاتها مركزة فقط على ا?عمال الخيرية، أما الموضوعات المتعلقة بممارسات العمل وممارسات التشغيل العادلة وحقوق ا?نسان والبيئة ومحاربة الفساد وحماية المستهلك، ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، فقد تم اضافتها فيما بعد، حينما اكتسبت المسؤولية المجتمعية في السنوات الأخيرة اهتماما أكبر.
وقد أسست المنظمة الدولية للتوحيد القياسي الايزو (ISO) في عام 2004 ميلادي مجموعة عمل لتقوم بإعداد مواصفة قياسية دولية، تقدم التوجيه فيما يختص بالمسؤولية المجتمعية وتطبيقاتها، وسميت حينها بمواصفة ISO SR 26000، حيث صدرت النسخة الأولى منها في عام2010 م. وتعد بذلك أول مواصفة عالمية شاملة في المسؤولية المجتمعية. وتستخدم حاليا كدليل إرشادي اختياري حول المسؤولية المجتمعية. كما تستخدم هذه المواصفة من قبل جميع أنواع المنظمات؛ في القطاع العام والقطاع الخاص، والمجتمعي، سواء كانت في البلدان المتقدمة أو النامية. وتقدم هذه المواصفة الدولية ا?رشاد بشأن المبادئ ا?ساسية للمسؤولية المجتمعية والموضوعات والقضايا الجوهرية المتعلقة بها، وكذلك بشأن طرق دمج (تكامل) السلوك المسؤول مجتمعيًا داخل المنشآت. وتؤكد هذه المواصفة الدولية أهمية النتائج والتطور في أداء المسؤولية المجتمعية. والغرض من هذه المواصفة الدولية هو أن تكون نافعة ومفيدة وقابلة للاستخدام من قبل كافة المنشآت بالقطاع الخاص والعام، وكذلك المجتمعي والخيري، وسواء تلك الصغيرة أو الكبيرة منها، أو التي تعمل في الدول النامية أو المتقدمة. ويتم تشجيع كل منشأة لتصبح مسؤولة مجتمعيا بشكل اكبر من خ?ل استخدام هذه المواصفة الدولية القياسية.
وختاما، إن التزام مؤسساتنا بمبادئ المسؤولية المجتمعية هو التزام أخلاقي في المقام الأول، بالرغم من الإقرار بطواعية مبدأ المسؤولية المجتمعية للمؤسسات وعدم إلزاميته، لأنه بمثابة اعتراف من المؤسسات، وخاصة قطاعها الخاص (الشركات) بفضل المجتمع على ما حققه من نجاح أو أرباح، وكذلك القطاع العام والمجتمعي على ما حققه من أهداف بفضل المجتمعات التي يعملون فيها، وهو في الوقت ذاته نوع من أنواع الاستثمار يعود مردوده على المؤسسات من خلال زيادة ثقة المجتمع بها. وتقوم بالمسؤولية المجتمعية مختلف المؤسسات بغض النظر عن طبيعة عملها سواء كانت (خاصة، أو عامة، أو مجتمعية).
copy short url   نسخ
16/05/2019
855