+ A
A -
قبل أكثر من نصف قرن تطوّع الشاب خليفة بلقاسم حفتر في الجيش الليبي، وكان في الثالثة والعشرين من عمره.
كان ذلك في عام 1966 في عهد الملك إدريس الأول.
وبعد ثلاثة أعوام فقط، انضم إلى انقلاب معمر القذافي ضد الملك.
كان برتبة ملازم أول حين شارك في انقلاب القذافي على النظام في سبتمبر 1969. حفتر من مواليد عام 1943 بمدينة أجدابيا غرب بنغازي.
الآن في 2019 يشغل حفتر الدنيا بمغامراته العسكرية والسياسية، منذ انقلابه «التليفزيوني» على قناة العربية عام 2014، إلى هجومه على العاصمة طرابلس في بداية أبريل 2019. الهجوم الذي وصفه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا بأنه «محاولة لتنفيذ انقلاب عسكري»، كما أكد المبعوث الأممي أن دولاً عديدة تدعم حفتر منذ أكثر من ثلاث سنوات بحجة مواجهته الإرهاب، غير أن هدفه في الحقيقة هو السيطرة على العاصمة طرابلس.
من هو «الجنرال المهزوم» والقائد العسكري الذي يَعِد الشعب الليبي الآن بإنقاذ البلاد؟
وما هي «الدول العديدة» التي صنعته على أعينها، وزوّدته بالمال والعتاد والسلاح، بل وبالغطاء الأيديولوجي أيضاً؟
وما المصالح الحقيقية لكل اللاعبين على أرض ليبيا من أشقاء وأصدقاء وغيرهم؟
هذا التقرير يقدم قراءةً في سجل حفتر العسكري والسياسي، ويستعرض قواعد اللعبة الليبية المخيفة، التي لا يمكن التنبؤ بنهايات حزينة أو سعيدة لها من الآن.
يبدأ ملف خدمته بواقعة مجللة بعار الهزيمة، وكان ذلك في عام 1987.
كان قائد حملة حربية ضخمة العتاد والعداد لغزو تشاد وتغيير نظام الحكم فيها. لكنها انتهت بهزيمة مُخزية للجيش الليبي في معركة وادي الدوم شمال تشاد، وقع خلالها العقيد حفتر مع المئات من ضباطه وجنوده في الأسر. ولأسباب لاتزال غير واضحة تخلَّى القذافي عنه وعن رجاله ورفض التفاوض مع تشاد.
ونتيجةً لوساطة أميركية عند الرئيس التشادي وحلفائه الفرنسيين، عرضت تشاد على الأسرى العودة إلى بلادهم أو نقلهم للإقامة في الولايات المتحدة، وكان العقيد حفتر على رأس من اختار الرحيل غرباً، وعاش لاجئاً سياسياً، في عملية وصفتها وكالة الأنباء الفرنسية بالغامضة.
أصبح القائد المهزوم معارضاً لرئيسه!
حصل العقيد المهزوم على الجنسية الأميركية واستقر بفيرجينيا في بلدة يقطنها عدد كبير من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية، حيث سُمح له بإنشاء معسكرٍ تدريبي للجيش الوطني الليبي.
انضم حفتر إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وشغل فيها منصب قائد الجيش الوطني. وبدأ يخطط من منفاه لانقلابٍ عسكري. ووضع في ملف خدمته واقعةً أخرى مجللة بالفشل وغباءِ التخطيط.
تم كشف المحاولة، واعتقل القذافي مدبريها قبل تنفيذها بأيام في أكتوبر 1993.
عاد الجنرال الفاشل إلى سيده الأول تائباً معتذراً.
قبل التصالح مع النظام برعاية مصرية تم بموجبها ضمان إقامته وعائلته في مصر شرط عدم ممارسته أي عمل سياسي مُعارض لنظام القذافي. وهكذا كتب القائد العسكري بيده صفحةً ثالثة في سجل هزائمه الفريدة.
لكنه بعد انتفاضة 17 فبراير2011 عاد إلى المعارضة بلا تردد، ولا خجل.
سافر من القاهرة براً، وفي بنغازي انضم لقوات المتمردين التي كانت تضم عسكريين ومدنيين متطوعين.
اختفى شهوراً طويلة قبل أن تعيده قناة «العربية» السعودية إلى عناوين الأخبار، بإعلانه انقلاباً عسكرياً.
كان البيان يتحدث عن أوهامٍ ويؤكد استيلاء حفتر على مواقع عسكرية وحيوية في العاصمة، وتجميد عمل البرلمان والحكومة، ويعرض «خريطة طريق»، على غرار ما فعله الفريق عبدالفتاح السيسي في مصر.
كان الانقلاب حدثاً افتراضياً تماماً، برعاية الفضائية السعودية.
وعاد حفتر إلى النسيان إلى أن ظهر في بنغازي يقود بضع مئات من الجنود في مواجهة ميليشيات إسلامية مسلحة، وانضم المزيد من المقاتلين للقوة الصغيرة، التي أصبحت نواة «الجيش الوطني الليبي».
وبضغط من أنصاره في مجلس النواب وأعيان وشيوخ القبائل ودعم قادة محاور القتال، قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عيسى، بصفته القائد الأعلى، بتعيينه قائداً عاماً للجيش، وترقيته إلى رتبة فريق وفيما بعد إلى رتبة مشير.
وكان ذلك في مارس 2015.
ونجح في تقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خَصم الإسلاميين في ليبيا، وهو ما أكسبه دعمَ دولتي الإمارات ومصر، كما قام بالتحريض على المؤتمر الوطني الذي انتُخب بعد الثورة الليبية.
ورغم الدعم المصري والإماراتي لحفتر، فقد استغرق الأمر منه ثلاث سنوات لكي يعلن السيطرة على بنغازي كاملة في يوليو 2017، علماً بأن الشرق الليبي يعتبر المعقل الرئيسي لحفتر وحلفائه، بينما الغرب الذي يوجد به العاصمة طرابلس يعد معقلاً لخصومه.
وبعد سنواتٍ من الاضطرابات في ليبيا، اعتقد مبعوثو الأمم المتحدة أنهم كانوا هذا الشهر، أبريل، على وشك إبرام اتفاقٍ من شأنه جمع فصائل البلاد في مؤتمرٍ للتوافق على حكومةٍ موحّدة وخطة للانتخابات. ثم شنَّ خليفة حفتر (75 عاماً)، أمير الحرب الذي يتطلَّع ليصبح ديكتاتور ليبيا القادم، هجوماً على العاصمة طرابلس أدى إلى تمزيق عملية السلام، وربما يقود إلى حربٍ أهلية عربية أخرى مدمرة.
أراد اللواء المنشق أن يعيد إنتاج «الزحف» على طريقته، نحو طرابلس وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، التي تحظى باعتراف دولي.
وجاءت دعوة «الزحف» بعد أسبوع من زيارة حفتر إلى قصر اليمامة بالرياض، ولقائه بالملك سلمان ووزير الداخلية وشخصيات أخرى، ما أعطى الانطباع بأنه كان يحصل على مباركة السعودية لخطوته التالية، وهناك تحصَّل على وعودٍ بالحصول على ملايين الدولارات من المساعدات ليُموِّل عمليته، وذلك بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
تُمثِّل تلك الأموال، المُراد بها مكافأة القادة القَبليين وتجنيد مقاتلين جدد، «مقامرة» أخرى متهورة من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق بالفعل تدخُّلاً كارثياً في اليمن، فضلاً عن محاولاتٍ فاشلة لإخضاع حكومتي لبنان وقطر.
وحصل حفتر يوم الأحد الماضي 14 أبريل على تأييدٍ صريح من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي التقاه في القاهرة. وكان السيسي قد عاد قبل أيام فقط من زيارةٍ إلى للرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، لكنَّه لم يظهر أي تردد في مخالفة المطالب الأميركية بإنهاء حفتر لهجومه.
الهجوم جاء بتحريضٍ ودعمٍ مادي من السعودية ومصر والإمارات. فخرَّبت تلك الحكومات العربية إلى جانب روسيا، عن عمدٍ، جهداً دولياً كان يحظى بدعم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
يبدو أن محاولة حفتر اقتحام العاصمة طرابلس ستكتب هزيمة عسكرية جديدة مجللة بالعار في سجل الجنرال الفاشل.
منذ يومه الأول في ليبيا ما بعد القذافي، يتلقى حفتر مساعدات بلا حدود من «الأصدقاء».
تحول الدعم الخفيّ الذي بدأ سنة 2014 إلى دعم علني من خلال الوجود الإماراتي والمصري والفرنسي المباشر، وصار مشهد الآليات العسكرية والذخائر التي تنزلها السفن في ميناء طبرق متواتراً في وسائل الإعلام، بما فيها المحسوبة على الجهاز الإعلامي لعملية «الكرامة».
وشهدت كبرى المعارك التي خاضتها القوات الموالية لحفتر في بنغازي ودرنة والجفرة والهلال النفطي مشاركة مكثفة لسلاح الطيران.
في بنغازي لم تحسم المواجهات الدامية ضد «مجلس شورى ثوار بنغازي» إلا بعد أشهر من القصف الجوي العنيف بالطائرات الحربية والمسيرة، وكذلك الأمر في قاعدة الجفرة التي تعرضت لقصف «أجنبي» عنيف على امتداد أسابيع.
أما في الهلال النفطي، فقد تمكنت «سرايا الدفاع عن بنغازي» من السيطرة على أغلب المنشآت والموانئ، خلال ساعات، في مارس 2017، بمجرد توقف حركة الطيران الأجنبي بفعل العواصف الرملية.
لم يتوقف الدعم العسكري الذي لقيه حفتر من القوى الإقليمية عند حدود المساندة الجوية، بل تعداها إلى الحضور المباشر من خلال القواعد العسكرية.
في قاعدة بنينا في بنغازي تمركزت تشكيلة من سلاح الجو الإماراتي واتخذتها منطلقاً لتنفيذ الغارات بطائرات أيرتراكتر 802 air tractor على مواقع «مجلس شورى ثوار بنغازي».
قاعدة الخادم الجوية، جنوب المرج، تحوّلت منذ 2016 إلى إحدى أكثر القواعد الإماراتية تجهيزاً، فيما تتواتر تقارير عن تحضيرات لتركيز الوجود العسكري الإماراتي المباشر في قاعدة الجفرة التي سيطرت عليها قوات حفتر، شهر يونيو 2017.
أما الدعم الفرنسي، فقد ظلّ غامضاً، رغم التقارير المتواترة التي أوردتها صحيفة «لوموند» عن تمركز وحدات من القوات الخاصة الفرنسية في بنغازي، إلى حين إسقاط طائرة مروحية فرنسية خلال يونيو 2016 في منطقة المقرون، وتمكن مقاتلو «سرايا الدفاع عن بنغازي» من احتجاز جثث الضباط الثلاثة الذين كانوا على متنها.
ويسجل الدعم العسكري المصري لخليفة حفتر تصاعداً منذ انطلاق عملية «الكرامة»، من خلال الغارات الجوية التي نفذها سلاح الجو المصري، في أكثر من مناسبة، على مدينة درنة التي تحاصرها قوات حفتر منذ سنتين، ومن خلال المستشارين الذين يتولون الإشراف على تدريب قوات «الكرامة». وبلغ التدخل العسكري المصري المباشر حد تنفيذ ضربات جوية على مواقع قوات «فجر ليبيا» جنوب العاصمة طرابلس وقرب الحدود التونسية، أثناء ديسمبر 2014.
حصل حفتر على الضوء الأخضر لمهاجمة طرابلس من الإمارات والسعودية.
إسلاميون سلفيون من أتباع المذهب المدخلي يقاتلون في صفوف قوات الجيش النظامي التي يقودها حفتر
ترجع بداية الظهور العلني لتيار المداخلة في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية عام 1991، التي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت، كفكرٍ مُضاد للعلماء الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية إلى الخليج، فأفتوا بمشروعية دخول القوات الأجنبية، وفي المقابل يقف موقف المُعادي لمن يحرّم دخولها، أو أنكر على الدولة ذلك.
ويتنامى نفوذ التيار المدخلي المسلح في ليبيا، حيث يساعد حفتر في محاولته القضاء على المعارضين للمشروع الإماراتي السعودي في ليبيا، ولا يتوانى أثناء ذلك عن الفتك بمعارضيه؛ لأنهم في نظره «خوارج» ويجب التخلص منهم لأنهم «كلاب أهل النار»، وما شابه ذلك من شعارات يُلبسها ثوب الدين لتحقيق أجندات سياسية.
إضافة لذلك، ذكرت صحيفة Wall Street Journal الأميركية أن الرياض قدمت مساعدات بملايين الدولارات إلى اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لتنفيذ الهجوم على طرابلس في 4 أبريل 2019، نقلاً عن مصدر رفيع المستوى في الحكومة السعودية.
السعودية توفر لحفتر أيضاً غطاءً أيديولوجياً للمعارك الميدانية. فعلى امتداد الأعوام الماضية، حث الشيخ السعودي ربيع المدخلي أتباعه في ليبيا على القتال ضمن قوات حفتر، على اعتبار أن هذا الأخير «وليّ أمر شرعي».
وإلى جانب ذلك، يطمح حفتر لنيل الدعم المادي والعسكري والدبلوماسي السعودي، وأن تستخدم المملكة نفوذها على بعض الدول العربية لطمأنتها بشأن توابع تحرّكه العسكري في ليبيا.
الإمارات التي زارها حفتر مؤخراً وعدته بدعم عسكري إذا استدعى الموقف ذلك.
كانت مبادرة أبوظبي للحل السياسي في ليبيا إذن مجرد كذبة وخدعة، ومجرد غطاءٍ لحقيقة نوايا الإمارات والسعودية ودول إقليمية أخرى تجاه ليبيا والسيطرة على مقدراتها.
وقالت صحيفة Independent البريطانية في 17 أبريل 2019، إن «الأمم المتحدة بدأت النظر في مزاعم حول شحنات أسلحة إماراتية لحفتر لدعم قوات قائد الشرق الليبي، في خرق واضح لحظر دولي لتصدير السلاح إلى ليبيا، وإن الأمم المتحدة تحقق في عدد من المزاعم حول شحنات أسلحة لطرفي النزاع بليبيا».
ويفيد التقرير بأن مصدراً في شرق ليبيا نفى وصول أسلحة إماراتية لحفتر، لكن قوات حفتر تباهت بالحافلات العسكرية الجديدة والطائرات المحدثة، ونشرت صورها على فيسبوك.
اللواء حفتر هو الرجل المثاليّ للإمارات في رسم مستقبل ليبيا.
يقول كريستوفر دافيدسون، مؤلف كتاب «ما بعد الشيوخ: الانهيار الوشيك لممالك الخليج»، وأستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة درهام، متحدثاً عن حفتر، إنه «شخص مثير للخلاف والشقاق، ومن المستبعد أن تقبل به أي من الجماعات الليبية المشاركة في المفاوضات حول سبل توحيد البلاد. ولذلك يعتبر من وجهة نظر دولة الإمارات العربية المتحدة الشخص المثالي الذي يستحق الدعم والتأييد».
يُصر مسؤولون في الإمارات على تأكيد دعم الدولة للجنرال الليبي، وقدمت الدولة مئات المدرعات والسيارات والأموال لقوات «خليفة حفتر» منذ سنوات، وساعدته على الصمود أمام القوات الحكومية المعترف بها دولياً، و«الثوار» الرافضين لتوسّع قواته.
ارتبطت حركة حفتر منذ نشأتها بالتطورات في مصر.
يبدو واضحاً للعيان تأثر حفتر بالسيسي، وتقمّصه شخصيته، حتى إنه منح نفسه لقب المشير مثلما فعل السيسي، الذي يفترض أن مَن يناله يجب أن تتوافر له خبرة عسكرية كبيرة لا تتوافر لحفتر، الذي عزله الجيش الليبي في الثمانينيات، ولكن الأمر لا يقتصر على التأثير المعنوي فقط.
قيادات عسكرية مصرية رفيعة المستوى موجودة ضمن غرفة العمليات المركزية، التي تدير التحركات الأخيرة، حسبما ذكرت مصادر مقربة من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وذكرت تقارير صحفية أن أبوظبي صدّرت بشكل غير مشروع أسلحة إلى ليبيا، وأنهم تلقوا معلومات تفيد بأن أبوظبي نقلت عتاداً عسكرياً إلى مدينة طبرق شرق البلاد أواخر 2014. وفي فبراير 2015 نُشرت تسريبات صوتية تشير إلى حجم التعاون المصري- الإماراتي في تهريب السلاح.
جاء ذلك في مكالمة بين مدير مكتب السيسي (حينها) عباس كامل، ونائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الإماراتي عيسى المزروعي، وتتضمن حديثاً عن ترتيبات لطائرات محمّلة بالأسلحة كي تذهب إلى كتائب وفرق بعينها داخل ليبيا، ولكن عن طريق مصر أولاً لتحميل شحنات سلاح أخرى ستذهب إلى بعض الكتائب الأخرى.
وكان أحد القيادات العسكرية الكبرى التابعة للواء حفتر، الذي أُلقي القبض عليه، اعترف خلال التحقيقات بأن معسكر حفتر «تلقى تعزيزات عسكرية نهاية العام المنصرم، كمنح من مصر والإمارات والأردن، شملت 5 مروحيات حربية من طراز إم آي 8، وإم آي 35، إضافة إلى أسلحة مدفعية ثقيلة، ومضادات الدروع، و40 حاوية ذخائر، فضلاً عن تأهيل القوام الأساسي للواء 32».
وبعد أيام من انطلاق محاولة الهجوم على طرابلس، جاء حفتر إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في «زيارة للتقييم وإعادة التفكير».
هكذا تتعامل القاهرة مع حليفها الأقرب جغرافياً.
وحتى روسيا لها يد في دعمه.
إضافة إلى الدعم المصري والإماراتي لحفتر، فثمة قلق متزايد أيضاً في واشنطن حول الدور الروسي في ليبيا.
مصادر دبلوماسية اتهمت موسكو بنشر ما يصل إلى 300 من المرتزقة في شرقي ليبيا دعماً لحفتر، حسب صحيفة The Guardian.
ولدى روسيا علاقات قوية بحفتر، التي تأمل أن تراه بديلاً للقذافي، حليفها التقليدي الذي فقدته. وسبق أن زار حفتر في عام 2017 حاملة الطائرات الروسية «أدميرال كوزنيتسوف» في البحر المتوسط، فيما مثَّل إشارة واضحة على دعم روسيا لحفتر، الذي يعارض الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة.
وكانت الحاملة الروسية قُبالة السواحل الليبية في طريق عودتها للوطن، بعد نهاية مهمة دعم للقوات الحكومية السورية.
وبينما كان حفتر على متن الحاملة أجرى اتصالاً بالفيديو مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، حسبما قالت وكالة الأنباء الروسية «ريا»، نقلاً عن وزارة الدفاع الروسية.
وتقارن بعض الجهات بين دعم روسيا لحفتر، الذي ينظر إليه بعض الليبيين بوصفه الرجل القوي الذي تحتاجه بلادهم بعد سنوات من الفوضى، وبين دعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد.
واستخدمت روسيا حقَّ النقض، الفيتو، لمنع مجلس الأمن من إصدار قرار يطالب حفتر بوقف هجومه على طرابلس.
«هناك حرب حقيقية من أجل النفوذ بين فرنسا وإيطاليا على التراب الليبي، وهي ضمن أسباب الانسداد السياسي الذي تُعاني منه ليبيا بعد سبعة أعوام ونصف العام من الإطاحة بالنظام السابق».
هذا ما يراه عبدالحفيظ غوقة، المناضل الحقوقي ونائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي خلال ثورة 2011، الذي أضاف أنه «لن يكون هناك سلام ولا استقرار في ليبيا ما لم تتوصل المجموعة الدولية إلى توافق».
لكن المساعدة العسكرية الفرنسية هي التي ساعدت المشير خليفة حفتر على حسم معاركه مع مجموعات مسلحة مختلفة المشارب من 2014 إلى 2017، كما تقول مراسلة Tribune de Genève في ليبيا.
وأكدت مصادر عسكرية وجود مستشارين فرنسيين قرب العاصمة الليبية طرابلس بالتزامن مع حملة حفتر عليها. وبحسب المصدر، فإن مجموعة من المستشارين الفرنسيين متواجدون في مدينة غريان، التي تبعد عن العاصمة طرابلس 75 كيلومتراً، لتقديم المشورة لقوات حفتر.
الناطق باسم الجيش الوطني العربي الليبي التابع لحفتر يبرر التعاون مع فرنسا بوجود المصلحة المشتركة: «كنا نريد مكافحة الإرهابيين، وفرنسا كانت تريد ملاحقة المجموعات في البلدان المحاذية لنا جنوباً مثل تشاد ومالي والنيجر، حيث تتواجد بكثافة».
على العكس من ذلك، اختارت إيطاليا الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، مع منح الأولوية لوضع حد لتدفق المهاجرين. وبعد أن أعادت روما افتتاح سفارتها في طرابلس (على عكس فرنسا التي أغلقتها في عام 2014)، قررت التفاوض مباشرة مع الميليشيات المسؤولة عن عمليات تسيير قوارب المهاجرين من أجل خفض أعدادهم.
وتواجه إيطاليا اتهامات من طرف ليبيين في المناطق الشرقية من البلاد بمساندة من يُوصفون بـ«أنصار الإسلام السياسي». ونقلت الصحيفة عن عبدالقادر قدورة، العضو السابق في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي، أن «الإيطاليين يريدون أن يتسلم الإخوان المسلمون السلطة. إنهم يعرفون أن انتخابات يتم إجراؤها في الوقت الحاضر لن تكون لفائدتهم، ولهذا السبب يقومون بفعل كل شيء لتأخيرها».
لكن الدول الغربية تعمل الآن على إعادة توزيع أوراق اللعبة الليبية لمصالحها الخاصة.
ظهرت الولايات المتحدة التي ابتعدت قليلاً.
بدا هذا جلياً بعد تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز في منصب مُساعدة لغسان سلامة، المبعوث الأممي إلى ليبيا، وهي القائمة بالأعمال السابقة بالسفارة الأميركية في طرابلس. إنه دليل على عودة وزارة الخارجية الأميركية -في الكواليس على أقل تقدير- للاهتمام بالشؤون الليبية.
تضيف المراسلة السويسرية أن أولوية العم سام لا تتعلق بمن سيقود ليبيا ولا بمسألة الهجرة، ولكن بـ«مراقبة الإمارات العربية المتحدة، شريكها المتململ. فهذه الأخيرة تقود سياسة هجومية تحت شعار (كل شيء إلا الإخوان المسلمين) من خلال دعمها للمشير حفتر».
وانتقد نائب رئيس الوزراء الإيطــــالي ماتيو سالفيني السياسات التي تتبعها باريـــــس في ليــــــبيا، وقال إنها «لا ترغب في استقرار الوضع، ربما بســبب تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا».
إذن، الحرب بين فرنسا وإيطاليا من أجل النفوذ في ليبيا عنوانها «كعكة النفط»، ما يجعل من الصعب التوصل بسهولة إلى عملية التسوية السياسية في هذا البلد الغارق في الفوضى.
copy short url   نسخ
23/04/2019
1320