+ A
A -
نادر العضيانيضوء وظلتكلمنا في المقال السابق عن ضرورة إشراك بعض فئات المجتمع في عملية التخطيط وذلك من أجل الاستفادة القصوى من كافة الإمكانات المتاحة، خاصة وأن الجميع شركاء في المغنم والمغرم، وبعد ذلك فإن الخطوة التالية الأكثر أهمية تتعلق برأس الهرم لا بالقاعدة، حيث تبدأ عملية الإصلاح من الوزارة على وجهٍ خاص لا من المدارس، لأن كل ما يحدث في المدارس لا يتجاوز كونه أشياء تنفيذية واستجاباتٍ مباشرة لكل ما يصدر عن الوزارة، وعليه فإنه يصعب تحميل الميدان فوق ما يحتمل قبل أن يحدث تحول حقيقي في الوزارة، وهذا التحول معني بالأفكار لا الأفراد؛ ولأن هذا التحول يجب أن يضمن تعديل سقف التوقعات ويجعلها عالية بما يكفي لتلبية طموحات المجتمع، وهذا السقف يعتمد في مستوى ارتفاعه على التناغم التام بين الإدارات المعنية في الوزارة، وعلى طريقة التفكير المتبعة لدى القيادات المعنية وهل تتم بشكل مستقل لدى كل إدارة أم أنها تتبع منهج التفكير النظمي.. حيث تُمثل كل إدارة بـ«الترس» في محرك كبير يعتمد في قوة توليده للطاقة على تلك التروس الصغيرة.. إن التفكير الذي يحدث في كل إدارة عندما يتم بمعزل عن الإدارة الأخرى لا يكون إلا معول هدم؛ لأنه لا يتم في سياق أكبر ينظم جميع الأفكار لكافة الإدارات في عقدٍ واحد من أجل إحداث مرونة أكبر من حيث الاستجابة الآنية وطويلة الأمد للتغيرات الطبيعية والمفاجئة.
كثيراً ما يتأثر الميدان سلباً عندما يكون التناغم أقل بين الجهات العليا في الوزارة، وهذا التأثير السلبي يعتبر أحد التفسيرات المنطقية لعدم توافق المخرجات مع المدخلات، حيث تولي الدولة اهتماماً كبيرا بقطاع التعليم ربما لا تحظى به الكثير من القطاعات الأخرى، في حين نجد أن المخرجات أقل بشكل كبير من متوسط مخرجات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.. ومن العدل بمكان أن نُشير إلى أن عدم التناغم بين إدارات الوزارة ليس السبب الوحيد لهذا البون الشاسع، ولكنه في المقابل يعتبر أحد أهم تلك الأسباب.
مستقبل الأجيال أهم من منصب مدير إدارة، وعليه يفترض أن يتنازل كل مسؤول عما يعتقد بأنها مزايا خاصة به تمنعه من التواصل مع مدير آخر، وذلك من أجل مصلحة أعم وأشمل.. كما تتنازل بعض ذرات المواد عن مواصفاتها وخصائصها لتلتحق بذرة أخرى منتجة مادة أفضل وبمزايا أفضل.
لابد أن يكون هناك ثقافة وطنية مترسخة تجعل من المصلحة العليا فوق كل شيء، ثقافة تتجاوز الأقوال إلى الأفعال لتتجلى نتائجها في الميدان بشكل واضح.
نحن في أمس الحاجة إلى عمل مؤسسي يتبع منهجية علمية وفق دراسات وآليات سليمة قابلة للقياس والتحقق بعيداً عن العشوائية والاجتهادات الفردية وإن كانت تلك الاجتهادات نابعة من نوايا حسنة- ونحن لا نشك في ذلك- ولكن النوايا الحسنة وحدها ليست كافية!
copy short url   نسخ
16/04/2019
3605