+ A
A -
عواصم- عماد فواز- خديجة بركاس- نادية وردي- زينب بومديان- خديجة الورضي
وصف أكاديميون وخبراء عرب وأوروبيون الاحتجاجات الشعبية وخلع رأس النظام في الجزائر والسودان، بـ«صحوة الشعوب» وتجدد آمال الربيع العربي، بعد أن واجه حرباً ضروساً من أتباع الأنظمة الدكتاتورية القديمة، والدول العربية الراعية لها، عانت خلالها الشعوب الثائرة في «مصر وتونس وسوريا واليمن» ويلات التنكيل والقتل والتهجير، حتى ظن الكثيرون أن الثورة تلاشت، وأن الشعوب استسلموا للأمر الواقع،
ليخرج الشعبان الجزائري والسوداني ودون مقدمات ضد الأنظمة الدكتاتورية فيحقق نصرا أضيف من جديد لمعادلة الربيع العربي، فأحيا آمال التحرر في الدول التي عانت من انتكاسات وهزائم مؤقتة من قوى الثورة المضادة، وأربك صفوف اتحاد دكتاتوريات الشر، وأوقع زلزال النظام في الجزائر والسودان تصدعات في أركان أنظمة دول الربيع العربي «تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، واليمن»، ودفع المراقبين حول العالم للتبشير بالمزيد من المفاجآت في المنطقة العربية خلال الأيام القادمة.
زلزال الثورة
قال عبدالوهاب سلطان، أستاذ السياسة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والقيادي بحركة اليسار الحر المغربية لـ الوطن: إن الحراك الشعبي في الجزائر والسودان الذي تطور سريعاً ليصبح ثورة بيضاء أطاحت برأس النظام، ليس مجرد انتفاضة شعبية ضد الفساد والتسلط وغياب العدالة الاجتماعية، بل هو ثورة ضد الركود السياسي الداخلي، والتبعية لنظام إقليمي «أرعن» يقود المنطقة نحو الهاوية، هو احتجاج على التهاوي العربي في مستنقع التراخي والتفريط في قضايا الأمة «القدس والجولان»، هو رفض مؤكد للحروب الوهمية والأعداء المصطنعين الذي صنعهم «رعاة الاستبداد» في العالم العربي بناء على هوس طائفي ورؤية غير منطقية حوّلت الأعداء لأصدقاء يتآمرون لصالحهم على حساب الأرض والعقيدة والتاريخ، ضد دول تربطنا بها علاقات وطيدة «دينيا وتاريخيا وجغرافيا»، هو صرخة جاءت من محلها وفي وقتها لترفض محاولات كسر حلم الربيع العربي في الدول العربية، خرجت هذه الصرخة من حناجر الجزائريين والسودانيين، خرجت مدوية لتخلع أنظمة ظنت أنها في مأمن، وأن الربيع العربي انتهى عند حدودها «مصر وتونس»، ليأتي أمر الشعب من مأمن الحاكم فيخلعه جيشه الذي احتمى خلف دباباته من غضب شعبه، وبإعلان الشعب الجزائري الانتصار على بوتفليقة، دب الحماس في عروق ثوار السودان وزادوا إصرارا، ليخلعوا عمر البشير، وفي اليوم التالي يخلعون المنقلب عليه، ليحدث ذلك زلزالا غير مسبوق في جميع أرجاء الوطن العربي.
حيل مكشوفة
أضاف مراد الصنهاجي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعضو المكتب السياسي لحزب العدالة والتنمية (حزب الحكومة)، أن شعب الجزائر استخلص العبرة مما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ولاحظنا ذلك في مطالب الشعب بعد تنحي بوتفليقة، ورفضهم تولي أتباعه السلطة، وتمسك الشعب برفض الرئيس عبدالقادر بن صالح ورئيس الحكومة نورالدين بدوي، وعزلوهم سياسيا، خشية تكرار سيناريو مصر وتولي عدلي منصور وعبدالفتاح السيسي السلطة وهو ما منحهم وقتا ثمينا دفع الثوار ثمنه غاليا، أعلن الجزائريون هذا صراحة في الشوارع، رفضوا تجربة مصر، وأمام هذا الرفض لاحظنا صدق توقعات الثوار حيث لجأت الشرطة للعنف كما حدث في مصر أيضا بعد شهور قليلة من خلع مبارك، كما عبثت أيادي الدولة العميقة لتستعين بالتيار السلفي المتشدد الذي طالما أيد بوتفليقة ورفض الخروج على الحاكم، ليظهروهم «كما حدث في مصر» كـ«أداة رعب» للتأثير في المجتمع، لكن الشعب في الجزائر استوعب الدرس من تجارب مصر وتونس، وفي المقابل فإن الدولة العميقة في الجزائر والسودان لم تبتكر حيلا جديدة لتوجيه الرأي العام أو بالأحرى تضليله، وإنما استحضروا أساليب الدولة العميقة في القاهرة، والتي تبدو أنها سيناريو رعاة الطغاة في العالم العربي منحوه لأتباعهم في الجزائر والسودان دون تطوير أو تجديد ربما لأن الوقت لم يسعفهم والأحداث تسارعت على عكس المتوقع، ليدهس الثوار أحلامهم تحت أقدامه.
هزيمة الثورة المضادة
وأكد إريك ديلون، عضو الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بباريس، أن تزايد وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان في دول الربيع العربي التي انقلبت الأنظمة الدكتاتورية على إرادة شعوبها، أتت بنتيجة عكسية، فبعد أن ظنت قوى «تحالف الدكتاتوريات» في المنطقة العربية أن الشعوب استسلمت ورأينا تحركاتهم الدكتاتورية الفجة في مصر وسوريا وتونس، وتحركهم بأمان ويقين بأن كل شيء انتهى، ليخرج شعب الجزائر وخلفه السودانيون بشكل غير متوقع، فيزيحوا رأس النظام وأتباعه، مؤكدين أنهم تعلموا الدرس، فلم تكن حملات البطش والتنكيل في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن إلا درسا تعلم منه شعب الجزائر والسودان، ليشعلوا آمال الربيع العربي ويحققوا نتائج مُلهمة أحيت روح الثورة من جديد في مصر وتونس وسوريا وليبيا، فلاحظنا الاهتمام العربي الكبير بثورتي الجزائر والسودان، والتفاعل الواسع وتزايد المطالبات بالتحرك الشعبي في مصر تحديدا وفي سوريا، بعد أن ظنت رؤوس الثورة المضادة أن كل شيء انتهى، لنفاجئ بتراجع البرلمان المصري عن تعديل الدستور ليمنح عبدالفتاح السيسي حكما أبديا، وبدا الارتباك واضحا داخل دوائر السياسة المصرية، كما أصيب نظام بشار الأسد بالشلل خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أن كان مختالا فخورا بأنه مازال موجودا أو رؤوس الشر في المنطقة يدعمونه.
سيناريو مكرر
وأشار موريس كوشيت، الضابط السابق بالشرطة الفرنسية والخبير الأمني بمركز «رومين» للدراسات الأمنية والعسكرية بباريس، إلى أن السيناريو واحد في دول الربيع العربي، وخاصة مسألة الأمن، فلاحظنا في مصر وتونس أثناء أحداث الثورة ظهور ما سماه الإعلام في الدولتين «الطرف الثالث»، مجهولون يقتلون المحتجين، وعناصر أخرى تطلق تحذيرات من الفوضى، يصرخون من اللصوص في كل مكان، وآخرون يحذرون من الجيوش المعادية القادمة من بعيد «الأسطول السادس الأميركي»، سمعنا هذا في الجزائر والسودان أيضا مؤخرا، بنفس التفاصيل وبشكل متطابق يؤكد أن العقل المخطط للثورة المضادة واحد، بث الرعب بين صفوف الثوار هو التكتيك الأسرع ورد الفعل الفوري لقادة الأمن في الدولة العميقة، حتى أن الشرطة عادت من جديد في الجزائر لتواجه الثوار بعد تولي الرئيس الجديد الحكم بساعات، في رد فعل موتور لرفض الشارع له، وهو في الواقع غباء أمني يؤكد أن الأنظمة الدكتاتورية لا تتعلم من أخطاء الآخرين، فالتجربة المصرية والسورية والتونسية وحتى في السودان أكدت أن العنف لا يولد إلا العنف، وما من نظام انهار إلا وسبق انهياره عنف سرّع من وتيرة الأحداث وزاد الثورة غضبا.
صراع الطغاة
ومن جهة أخرى، قال أنطونيو مورتي، الضابط السابق في الجيش الملكي الإسباني، إن الزلزال الشعبي الذي حدث في الجزائر والسودان، أطاح برأس النظام فورا، وصدع أركان المجلس العسكري، وامتدت توابعه لتحدث تصدعات خفيفة في المجالس العسكرية في المنطقة العربية وخاصة دول الربيع العربي «مصر وتونس وليبيا»، فلاحظنا أولا انقسام المجلس العسكري الجزائري، وتفجر الصراعات داخليا ما صب في مصلحة الثورة، وأضعف رد فعل قادة نظام بوتفليقة، وقطع حبل الاتصال المباشر مع زعماء حلف الدكتاتوريات في العالم العربي «السعودية والإمارات»، والأمر كان أوضح في السودان، حيث انقلب المجلس العسكري بقيادة عوض بن عوف على البشير، ثم انقلب المجلس مرة أخرى بقيادة عبدالفتاح البرهان على ابن عوف، وهو أمر لم يكن متوقعا، وسريعا وصلت توابع هذا الزلزال العسكري إلى مصر لنسمع عن انسحاب السيسي من «الناتو العربي» الذي يحضر له في الرياض، وتسارعت تصريحات حزبية وعسكرية في تونس لتؤكد للرأي العام أن الجيش يحمي خيار الشعب بعد أيام من تأكيد السبسي أنه لن يترشح لولاية أخرى، ما يعني أن الجيوش التي ظن الدكتاتور أنه يحتمى خلف دباباتها في مواجهة الشعب، هي نفسها أكبر خطر عليه، وأن الدكتاتور يأتى من مأمنه، ما خلق حالة تصدع داخل الأنظمة الدكتاتورية المنقلبة على الربيع العربي، وقد تزداد التصدعات خلال الأيام القليلة القادمة، وسنرى المزيد من المفاجآت في المنطقة العربية.
ألاعيب الدولة العميقة
وأوضح ألفارو كوربيرو، أستاذ الاقتصاد بجامعة برشلونة، أن الدولة العميقة في الجزائر والسودان بدأت في افتعال الأزمات الاقتصادية لمواجهة ثورة الشعب كما حدث في مصر وتونس من قبل، وبدأت أزمات الوقود والعملة، وتصاعدت الأصوات المحذرة من الجوع، في محالة لإثناء الشعب عن حراكه، نفس السيناريو بنفس الأدوات، لكن الفرق الوحيد هنا أن الشعب الجزائري والسوداني أدرك اللعبة، وبالتالي لن تفيد هذه اللعبة، بل ستؤدي لتسارع الغضب واشتعاله أكثر وسيسرع من التخلص من رؤوس الفتنة واتباع النظام القديم لمواجهة النقص في السلع، كحل وحيد لا بديل عنه، وقد يكون دمويا في حالة زيادة النقص في السلع، وقد يلجأ رموز الثورة للدول الصديقة لسد النقص، وفي كل الأحوال فإن لعبة التجويع والترهيب من الجوع لن تفيد في حالة الجزائر وتونس، ولا حتى في دول الربيع العربي التي بدأت روح الصورة تنبض فيها من جديد.
الانحياز للشعوب
وأكد جيبسون فيني، الدبلوماسي السابق بوزارة الخارجية البريطانية، أن العالم ينظر الآن باهتمام لصحوة الشعب العربي، حيث أكد الشعب الجزائري أن الربيع العربي مازال حياً، وأن روح الثورة لم تنكسر رغم انتكاسات الربيع العربي في الدول التي بدأته، وأكد الشعب السوداني أن ثورة الجزائر ليست عارضا، وإنما هو ضرورة لتطهير الشر من المنطقة العربية، وسريعا ما تفاعل المتعطشون للحرية أصحاب المبادرة ومشعلو الربيع العربي في تونس، ثم مصر وسوريا وليبيا، خرجت الجماهير عن صمتها لترفض الدكتاتوريات العسكرية وداعميها ومموليها، عجت مواقع التواصل وحتى الشوارع في بعض الدول بالرافضين والمنددين والمبشرين بالحرية من جديد، أصبحت حملات جماهيرية مثل «أنت مش لوحدك» للإعلامي المصري المقيم في تركيا «معتز مطر» تصدح بها حناجر من المحيط للخليج، وهذه الأصوات بدأت تصل إلى الغرب، ومؤكد أنها ستؤثر في التوجه الغربي تجاه الأنظمة الدكتاتورية ورؤوس الشر، فالانحياز دائما يكون للثائرين.
رسائل مهمة
واختتم مانريد غوتر، أستاذ السياسة بجامعة هومبولدت الألمانية بالتأكيد على أن احتجاجات الجزائر والسودان وما نتج عنها من مكاسب قلبت دفة المنطقة بالكامل، وأوصلت رسائل لتحالف الدكتاتوريات القديمة أن لا محيد عن الديمقراطية، ولا سبيل غير التنمية، ولا أمان لدكتاتور عسكري، وأن الجيوش أضعف من الشعوب، وأن المدفع أو الدبابة أو البندقية لا تحمي الدكتاتور بل تهدده أكثر من الشعب، رسائل مباشرة واضحة بعث بها شعب الجزائر والسودان للشعوب التي بدأت المشوار في تونس وليبيا وسوريا ومصر، قبل أن تصل للدكتاتور المدعوم من قوى الشر، رسائل من أرض الواقع، تؤكد أن سيناريو الالتفاف على مطالب الشعب والثورة المضادة فشل، وأن الربيع العربي عائد من جديد من الغرب في الجزائر والجنوب في السودان، وسيمتد ويتمدد بسرعة.
copy short url   نسخ
16/04/2019
1188