+ A
A -
أدهم شرقاوي
في مثل هذا اليوم من العام 1406م توفي ابن خلدون أبرع علماء الاجتماع في تاريخ البشرية! يلومه البعض أنه قال: العرب بدون الإسلام لا يساوون جناح بعوضة! فواللهِ ما قرأتُ أصدق من هذا التوصيف للعرب في حياتي!
كان ذكياً فذاً، يرى في الأشياء أشياءً لا يراها غيره، فعلى سبيل المثال قال في مقدمته:
إن العرب أكلوا الإبل فأخذوا منها الغيرة والغلظة، وأكل التُرك الخيول فأخذوا منها الشراسة والقوة، وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة، وأكل الأفارقة القرود فأخذوا منها حب الرقص والطرب!
لم يكن ابن خلدون يرى واقعه بوضوح فقط، فعلى ما يبدو أنه بلغ من العبقرية درجة جعلته يرى المستقبل كذلك، وها هو يحدثنا عن انهيار الدُول:
عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون والمغنون النُشاز والشعراء والنظامون والمتصعلكون وضاربو المندل وقارعو الطبول والمتفيهقون وقارئو الكف والطالع والمتسيسون والمداحون والهجاؤون والانتهازيون!
تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يُختلط… يضيع التقدير ويسوء التدبير، ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل!
عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب وتعم الإشاعة، ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق، ويعلو صوت الباطل ويخبو صوت الحق، وتظهر على السطح وجوه مريبة! ويتقاذف الناس التهم…
إلى هذا الحد كان ابن خلدون يرانا، وبهذه البراعة، وهذا العمق، وهذه الواقعية كتب عنا! البعض يا سادة يرون الأشياء بنور الله، وعلى ما يبدو أن ابن خلدون كان منهم!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/03/2019
1703