+ A
A -
قال فضيلة الداعية الدكتور محمد بن حسن المريخي، إن شر ما ابتلى به المرء في حياته سوء الأدب وقلة الحياء، خاصة في هذه الأزمان (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد).
وأضاف في خطبة الجمعة بجامع عثمان بن عفان بالخور أن سوء الخلق أو سوء الأدب: حال تقع فيه النفوس السيئة المريضة، بسبب ضعف الإيمان، وقلة الديانة تصاب به النفوس الهزيلة فتصدر الأفعال القبيحة والتصرفات والانحرافات المنحرفة المعوجة، والأقوال الشينة، وتنزل بالنفس إلى الدركات السفلى والحظيظ من القبائح والسواقط، فيكون الإنسان حينئذ في أسفل السافلين.
وذكر فضيلته في دنيا الناس فضوليون فاسقون خبثاء مغرضون طفيليات تعيش على حساب الناس الصالحين المستقيمين يؤذون الناس ويفسدون عليهم حياتهم بأخلاقهم السيئة وتصرفاتهم القبيحة، ضعف إيمانهم وساء أدبهم، ليس عندهم من الأدب والإيمان والإسلام ما يردعهم، زين لهم الشيطان أعمالهم، وغررت بهم نفوسهم المريضة السيئة فقادتهم إلى أذية الناس وإزعاجهم، يتطاولون على كبير، ويعتدون على ضعيف ويطلقون ألسنتهم في الشر في السب والشتم والطعن والاعتداء والبذاءة (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها) يقول رسول الله (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وأوضح المريخي أن سيئ الخلق والأدب خبيث مخبث، فاسد مفسد يفتش في الأغراض، ويكشف العورات ويتتبع السوءات يحب الكدر للمسلمين والخراب للمؤمنين والهدم للأخلاق والعمران، من فساد طبعه أنه يلهث وراء معرفة واكتشاف الأمور الخاصة وأسرار الناس والشؤون التي لا يحب الناس أن يطلع عليها أحد، يقول رسول الله الله صلى الله وعليه وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته، قال (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين) صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم لرجل كان ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقب في الباب (لو أعلم انك تنظر إلينا لفقأت عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، وقال عليه الصلاة والسلام (من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنه الأنك يوم القيامة– يعني الرصاص المذاب– حتى يصيبه الصمم فلم يعد يسمع أبداً).
وأشار فضيلته إلى أن البحث عن شؤون الناس الخاصة وأسرارهم سقوط وانحطاط في الخلق إلى الدركات السفلى وانهيار للنفس كبير، وهدم لإنسانية هذا الإنسان، ولا يبحث عن شؤون الناس الخاصة ولا ينشغل بالبحث عن خفايا الناس إلا من سفه نفسه، إلا امرئ بلغ في الخبث مبلغاً كبيراً، وفي الردى مرتعاً وخيماً وفي السفاهة مرتقاً صعباً، إن البحث عن أسرار الناس للوقوف عليها، شأن المنافقين الفاسقين الذين يبحثون عن أذية المسلمين وما يكدر عليهم صفوهم ويهزأ منهم وأمانهم.
وتساءل المريخي: كم من الأضرار تنزل بمن كشفت أسراره وغطاؤه، من الحرج والفضيحة والأذية والإزعاج، كم من الخصومات ستكون مع من كشف سر الناس والاختلاف والقطيعة والعداوة والبغضاء، كم من المودات والمحبة والأخوة والصداقة ستذهب هباء، وكم من العلاقات والمصالح والمنافع ستتوقف وتنقطع إلى ما لا نهاية، لقد اعتدى هذا الخبيث بخبثه وفسقه على إنسان آمن مطمئن مستور، بإيعاز من الشيطان الرجيم ونفسه الخبيثة، إذا رأيتم الرجل يلهث يبحث عن السوءات ويهتم بمعرفة أسرار الناس فاعلموا أنه خبيث مخبث مبتلى يجب تأديبه وأخذه بالعقوبة حتى لا يتمادى في أذية المسلمين، أناس لا يستحون يفتشون عن أسرار الناس وشؤونهم الخاصة، يجلسون يغتابون الغافلين من المؤمنين، أناس لا غاية لهم ولا هدف لهم، عميت قلوبهم وانطمست بصائرهم، وقل حياؤهم وذهب أدبهم، ليس منهم رجل رشيد، مفلسون بكل المقاييس حتى من الدنيا، خائبون فاشلون يهدمون ولا يبنون، يخربون ولا يصلحون، قاتلهم الله أنى يؤفكون، لا حياء من الله، ولا من خلقه امتلأت قلوبهم حقداً وحسداً على المسلمين على ما رزقهم الله من فضله.
ونوه بأن صاحب هذا الخلق من خبثه صار ذليلاً ليست عنده جرأة ليقابل الناس، وهذا الذل جاءه من قبيح تصرفه وخبيث صنعه، يتوارى ممن ذكره أو أراد معرفة سره وخاص شأنه وإذا قابله يقابله بوجه الذل والقبح، ومن أقبح قبائح هؤلاء الفاسقين أنهم صاروا بوجهين أكلحين، يقابلك بوجه يرضيك به، وله وجه قبيح ثان يطعنك به من ورائك، وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح وصف، وحكى واقعة بما ينفر منهم ويقتضي الاحتراز منهم، وصفهم بذي الوجهين، وأخبر أنهم من شرار الناس، لعظم جرمهم وفساد دواخلهم، وخبث شؤمهم، وبشاعة مواقفهم وصنيعهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) إنه نفاق واضح لا لبس فيه، وكفى بالإنسان هواناً وخسة أن يكون في عداد المنافقين، يتخلق بأخلاقهم، ويسير في ركابهم، ويضر المؤمنين ويؤذي عباد الله الآمنين.
وأضاف: إن ذا الوجهين لا يحس ولا يشعر ولا يتحرج من سيئ خلقه، وإنه ليجمع بتصرفه بين مجموعة من المحرمات ترتكبها عمداً ومع سبق الإصرار، تدفعه نفسه المريضة للكذب وتحمله على الغيبة والنميمة واليمين الفاجرة، فاتقوا الله أيها المسلمون، واحذروا هذه الأخلاق، واحذروا أهلها الذين يفسدون ويخربون ولا يصلحون، واعتنوا بعد الإيمان بالأخلاق الإسلامية الكريمة، والله تعالى لهؤلاء المخربين بالمرصاد (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً).
copy short url   نسخ
12/01/2019
5749