+ A
A -
مالك ونوس كاتب ومترجم سوري
على الرغم مما تلقّته العربية السعودية من انتقادات تتعلق بقضية اغتيال الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، في 2 أكتوبر الماضي، وعلى الرغم من المطالبات الدولية باعتماد الشفافية في التحقيق بالجريمة، ومحاسبة الفاعلين ومُصْدري أمر القتل، فإن السلطات السعودية تواصل العمل بمفردها، وبسرية، لمعالجة هذه القضية، مكرّسة بذلك سياسة الإنكار المستمرة حول المسؤول الأساسي عن الجريمة.
وكان عقد أولى جلسات المحكمة الخاصة بجريمة القتل، يوم الخميس الماضي، في الرياض، بمثابة الرسالة الواضحة أن المملكة لن ترضخ للضغوط من أجل محاكمةٍ علنيةٍ، وبوجود مراقبين دوليين، وبالتالي استمرار مسلسل التستر من أجل إخراج ولي عهدها، محمد بن سلمان، من دائرة الشبهات، ومنع تلقيه العقاب المناسب عن مسؤوليته المباشرة عن الجريمة.
وبالإعلان عن المحاكمة، تكون السلطات السعودية قد ضربت بموضوع التحقيق وشفافيته وشموليته عرض الحائط، وفق المطالبات المتكرّرة التي تصدر بين حين وآخر عن الأمم المتحدة وأمينها العام ومسؤولين آخرين فيها، علاوة على مطالبات كثير من قادة دول العالم.
وأدخلت السلطات التحقيق، بذلك، في السراديب السرية حتى لا يُعرف له قرار. وما زاد في غموض المسألة هو الامتناع عن ذكر هوية من شملتهم المحاكمة أو التهم الموجهة إليهم، أو أيٍّ من حيثيات التحقيق التي أوصلتهم إلى قوس المحكمة، وخوَّلها إصدار أحكام بحقهم.
وتعد تلك الإجراءات مسلماتٍ في سلك القضاء، لا يمكن اعتبار الحكم الصادر عن المحكمة شرعياً من دون إعلانه، وتبنيد الإجراءات التي اتبعت للوصول إلى الأحكام، خصوصاً مع جريمة، جعل اقترافها على أرض دولة أخرى، وفي حرم قنصلية وظيفتها تسهيل أمور رعايا الدولة لا قتلهم، إضافة إلى أهمية شخصية المجني عليه، والتمثيل بجثته وإخفائها، جريمةً دولية تستدعي محكمة دولية تجري مداولاتها علناً وبوجود وسائل الإعلام.
ولكن، ما الذي يمنع السلطات السعودية من توسيع التحقيق والاستجابة للمطالبات بإشراك أطراف دولية فيه، وصولاً إلى تسليم الجناة لتركيا للتحقيق معهم، حيث وقعت الجريمة على أراضيها؟ لابد أن دوائر صنع القرار في المملكة قد أيقنت أن مَنْ أصدر قرار قتل خاشقجي هو في مركزٍ يجعل إدانته إدانةً للمملكة برمّتها، ويضعها أمام المساءلة الدولية، وربما موضوع عقوباتٍ أممية لا تكتفي بمعاقبة الجاني الرئيسي، أي محمد بن سلمان، الذي أجمع مسؤولون دوليون، ووسائل إعلام، على أنه من أصدر الأمر بالقتل. وقد استندوا في ذلك إلى أنه الآمر الناهي، في ظل قصور والده، وبفضل الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، إضافة إلى ما تبيَّن من أن أفراداً في المجموعة التي قتلت خاشقجي هم من مرافقة بن سلمان الشخصيين، بغض النظر عن أن أحداً في السعودية لا يمكنه اتخاذ قرارٍ، مهما صغر شأنه، من دون تخويلٍ من السلطات، فما بالك بأمر القتل في قنصلية البلاد.
واضح أن سلطات المملكة تسابق الزمن من أجل طمس الأدلة، حين تصدر أحكام إعدام بحق خمسة ممن شاركوا في قتل خاشقجي، حيث إنهم، بالعرف القضائي، وإضافة إلى أنهم جناة، فإنهم، في الوقت عينه، شهود أيضاً، وهو ما يمكِّنها شيئاً فشيئاً من إبعاد الشبهات عن بن سلمان. كما أن هنالك نقيصة في ملف الجريمة وفي إجراءات التحقيق، تجعل من إعدام المتهمين غير شرعي، وهو اختفاء الجثة. إذ من المعروف أن التحقيق لا يكتمل إلا بظهور الجثة وفحصها، والوقوف على ملابسات عملية القتل، والسلاح المستخدم في تنفيذ الجريمة، والغرض من عملية القتل. وهو أمر يعدُّ من بديهيات العملية القانونية، حيث لا يُبت في القضية من دونه، مهما طالت فترة احتجاز المتهمين والتحقيق معهم.
* عن ( العربي الجديد )
copy short url   نسخ
11/01/2019
420