+ A
A -
أحمد أبو رتيمة كاتب فلسطيني
يقتلنا الاحتلال بالرواية قبل أن يقتلنا بالرصاص، ذلك أن الرواية التي ينسجها توفر الغطاء السياسي الذي يخفف وقع جرائمه في العالم، وهو ما يوفر له فرصةً للتمادي في سياساته الاستيطانية والتهجيرية والعدوانية.
تأبى الفطرة الإنسانية أن تقبل بالعدوان السافر والقتل المجرد، فلو ظهر جندي مدجج بالسلاح يقتل طفلاً أعزل لا يمثل خطراً عليه لأدان العالم كله هذه الحادثة. إذاً، كيف يواصل الاحتلال جرائمه ضد الإنسانية ويحظى بغطاء دولي في ذلك؟ تنسج دولة الاحتلال روايةً تخلط بها الحقائق وتضخم بها مظلوميتها، وتضخم في المقابل خطر عدوها، فيقع كثيرون أسرى لهذه الرواية الصهيونية، وهو ما يدفعهم للتغاضي عن جرائم الاحتلال؛ مبررين هذا الموقف بأن القضايا الكبيرة تتجاوز التفاصيل الصغيرة، ولو افتضح أمر مجزرة ارتكبها الاحتلال؛ فلن يجد الناطقون باسمه ضيراً من القول إن لكل حرب أخطاءها. فهم يقرون بالخطأ حين يكتشف أمره، لكنهم يضعونه في سياق أكبر ليهونوا من إضراره بهم.
هناك عامل تاريخي يترافق مع تأسيس دولة الاحتلال، وهو المجازر التي ارتكبت بحقهم في أوروبا، وهو ما أوجد صورة الشعب المضطهد الباحث عن وطن قومي يأوي إليه ويحتمي به. هذه الصورة أوجدت الغطاء الذي سمح بنشوء دولة الاحتلال، وغض النظر عن مجازر التهجير وسلب الأراضي والممتلكات بحق شعب فلسطين. فمظلومية اليهود مثلت قوة دفع كبيرة؛ سمحت بإنشاء دولة والاستمرار في دعمها وتقويتها. لذلك، فإن مشروع الاحتلال في الوقت الذي يحرص فيه على حيازة كل وسائل القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، فإنه يحرص في الخطاب الإعلامي على بقاء صورة المظلومية؛ لأن هذه الصورة هي التي تضمن استمرار الدعم الدولي وبقاء شعور الذنب في الوعي الغربي الجمعي تجاه اليهود، وهو ما تتبعه رغبة في هذا الوعي الجمعي بالتكفير عن هذا الذنب؛ باستمرار تدفق الدعم والنصرة لدولة الاحتلال.
{ عن عربي 21
copy short url   نسخ
11/01/2019
311