+ A
A -
الدوحة – قنا - تؤكد الحملة المرورية التوعوية «صيف بلا حوادث» التي أطلقتها وزارة الداخلية قبل ستة أسابيع عزم الوزارة على مواصلة الجهود المنسقة والمنظمة لمواجهة التحديات المرورية، وتعزيز النجاحات التي سجلتها في وقت قياسي لاسيما ما يتعلق منها بالحد من نزيف الأرواح على الطرقات فضلا عن تقليل الخسائر الاقتصادية الجسيمة المترتبة على مثل هذه الحوادث. وتسعى وزارة الداخلية من خلال هذه الحملات المنظمة التي أصبحت تغطي فصول العام، تنفيذا لاستراتيجية السلامة المرورية، إلى خلق وعي مروري شامل بكل ما يتضمنه من يقظة حسية ومعنوية وإلمام واسع بالأنظمة والقوانين والآداب والأخلاق التي تخص الطريق. ومن المعروف، أن المشكلات المرورية ليست مرتبطة بدولة معينة، بل هي مشكلة تعاني منها كل دول العالم، وهي في تفاقم مستمر رغم الجهود المبذولة للحد منها، وخطورتها تكمن في أنها تخلف وراءها الملايين من الضحايا، فضلا عن آثارها النفسية والاجتماعية، والخسائر الاقتصادية الجسيمة.
وتؤكد أرقام منظمة الصحة العالمية أن حوالي 1.3 مليون شخص يلقون حتفهم سنويا على الطرق في العالم، وتلحق إصابات غير مميتة بعدد يتراوح بين 20 إلى 50 مليون شخص، بل أصبحت حوادث المرور السبب الرئيسي للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما. خليجيا، تظهر الأرقام أن دول الخليج تتكبد سنويا أكثر من 19 مليار دولار نتيجة الحوادث على الطرقات، وهو ما يمثل 3.7 بالمائة من إجمالي الخسائر العالمية، ونسبة الوفيات فيها تتصدر القائمة عالميا، إذ تصل إلى 24 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهي أرقام تشكل مصدر قلق كبير لهذه الدول التي تعاني ندرة سكانية وتعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة.
ومع الطفرة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها دولة قطر خلال العقدين الأخيرين، وما ارتبط بها من زيادة سكانية كبيرة في وقت قياسي نتيجة ارتفاع أعداد العمال الوافدين، أصبح الوضع المروري يشكل هاجسا لوزارة الداخلية، وتحديا تجب مواجهته بشكل منظم ومدروس.
ووفق منظور يستوعب الواقع ويستشرف المستقبل، اتجهت دولة قطر وفي وقت مبكر إلى تبني إطار كلي شامل لضمان إيجاد نظام نقل آمن لجميع مستخدمي الطرق، مستوعبة كل المستجدات والتحديات التي ترافق هذا المجال.
ولقد كانت أولى الخطوات المؤسسة للجهود الحكومية لضبط الحالة المرورية ووقف نزيف الأرواح وهدر الممتلكات العامة والخاصة هو قانون المرور الصادر عام 2007، والذي كان له أبلغ الأثر في خفض الحوادث المرورية وتراجع معدلات الوفيات والإصابات البليغة.
وفي هذا السياق تثبت الإحصاءات الرسمية أن قانون المرور كان نقطة البداية لمسيرة النجاحات المستمرة، فقد تراجع معدل وفيات الحوادث المرورية من 16.6 حالة وفاة لكل مائة ألف من السكان عام 2006 (قبل تطبيق القانون بعام) إلى 14.6 حالة في العام التالي لتطبيق القانون، بعد أن كان المعدل يتجاوز 23 حالة وفاة العام 2005.. كما انخفضت معدلات الحوادث المرورية، والإصابات الناجمة عن هذه الحوادث بكل مستوياتها.
تطوير التشريعات
وجاء تشكيل اللجنة الوطنية للسلامة المرورية عام 2010 برئاسة معالي وزير الداخلية، ليعزز هذه المسيرة، ويستجيب للتطورات التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات، وليضع أطرا مدروسة ومنظمة للعمل المروري تشترك فيه كل الجهات المعنية في الدولة.
وتختص هذه اللجنة، وفقا لقرار تشكيلها، بوضع السياسات والخطط في مجال المرور والعمل على تطويره، ودراسة المشكلات المتعلقة به، واقتراح أساليب علاجها، والتنسيق والتعاون بين مختلف الجهات التي يؤثر عملها على حسن انتظام وسير المرور.
كما تختص اللجنة باقتراح تطوير التشريعات المتعلقة بالمرور وهندسة الطرق والنقل، بما يتوافق والمعايير الدولية ويتناسب ومتطلبات التطور المستمر للطرق والمواصلات، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة. وتبذل اللجنة التي ضمت في عضويتها ممثلين عن عدد من الوزارات والجهات في الدولة، جهدا جبارا في تنسيق الجهود وحشد الدعم لتوجهات وزارة الداخلية في الحد من الحوادث المرورية، وتوجت هذه الجهود بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية في العام 2013 والتي تسعى للحد من ضحايا الحوادث المرورية وتقليل عدد الوفيات الناتجة عن هذه الحوادث إلى ست حالات لكل مائة ألف من السكان، إلى جانب تقليل عدد الإصابات الخطرة التي تنتج عنها.
معدل الوفيات
وتشير الأرقام إلى أن دولة قطر وصلت إلى الهدف في وقت قياسي، فقط انخفض معدل وفيات حوادث الطرق من 14 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة في عام 2013 إلى 5.4 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة في عام 2017، وهو رقم أقل من المعدل المرسوم في الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية وهو 6 حالات وفاة لكل مائة ألف من السكان حتى العام 2022.
كما أن هذا المعدل يقل كثيرا عن المعدل العالمي البالغ 17.4 حالة وفاة لكل مائة ألف نسمة، وفي الدول مرتفعة الدخل يبلغ 9.2 نسمة لكل مائة ألف نسمة، وذلك على الرغم من ارتفاع عدد المركبات والسائقين بالدولة، لتتصدر دولة قطر منطقة الخليج والمنطقة عموما في مجال السلامة المرورية.
خطة تنفيذية
واستمرارا لتلك النجاحات، دشنت وزارة الداخلية مطلع العام الحالي الخطة التنفيذية الثانية 2018- 2022 للاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية، والتي استفادت من نتائج التقييم الشامل للخطة التنفيذية الأولى، واستوعبت التحديات الجديدة، وعززت من الشراكة المجتمعية، وشددت آليات مراقبة الالتزام بتنفيذ المشاريع التي تتضمنها الخطة للأعوام الخمسة التي تغطيها الاستراتيجية.
وأكدت وزارة الداخلية في أكثر من مناسبة أن الخطة التنفيذية الثانية للسلامة المرورية 2018-2022 تعد خريطة طريق لتقليل عدد الحوادث المرورية ومعالجة تبعات المعاناة البشرية الناتجة عنها بما يتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة ورؤية قطر 2030.
وقد تم إسناد تنفيذ الخطة التنفيذية الثانية إلى أكثر من 32 جهة معنية مقارنة مع 13 جهة في المرحلة الأولى، فضلا عن زيادة خطط العمل إلى أكثر من 450 خطة مقارنة مع 198 خطة في المرحلة الأولى.
تعاون المؤسسات
كما راعت الخطة تحقيق أقصى درجات التعاون بين مؤسسات القطاع الحكومي والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع في تنفيذ المشاريع وتعزيز جهود تحقيق السلامة على الطرق والوصول إلى الأمن المروري المنشود.
وحرصت الخطة على تبني نهج يبتعد عن الممارسات التنفيذية التقليدية مع تشجع تبني المبادرات الفعالة من خلال تطوير الأهداف المنشودة التي تتناسب مع النمو الذي تشهده الدولة والتحديات التي تواجهها.
ولعل من أهم أهداف المرحلة الثانية لاستراتيجية السلامة المرورية خفض الوفيات جراء الحوادث المرورية بنسبة 50 بالمائة (إلى 130 حالة وفاة عام 2022 )، وتقليص عدد الإصابات البليغة إلى 400 حالة، وتنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتعلقة بالمدن المستدامة وبناء شبكات الطرق والنقل وتبني نظام تخطيط غير تقليدي.
كما تهدف المرحلة الثانية إلى الحد من الازدحام بنسبة 5 بالمائة سنويا، وتخفيض نسبة وفيات المشاة إلى 17 بالمائة من مجموع الوفيات الكلي بحدود عام 2022 (32 بالمائة عام 2016)، والمباشرة في تنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، المتعلقة بالحد من الازدحام وتطوير تخطيط المدن وشبكات الطرق والنقل وتحسين السلامة المرورية، وربط تحسين السلامة المرورية بالنمو الاقتصادي والأمن الوطني والسياسة السكانية للدولة. كما تسعى الاستراتيجية إلى تطوير نظام التوعية المرورية وفق أسس علمية حديثة، وتنفيذ البرامج الهادفة التي تؤدي إلى نتائج يمكن قياسها، وتسهم في تحقيق أهداف الاستراتيجية.
رهان «الداخلية»
وتراهن وزارة الداخلية في تحقيق رؤيتها الخاصة بالسلامة المرورية على التزام كافة الجهات بالدولة ذات الصلة بترجمة أهداف الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية إلى مشاريع عملية خلال السنوات الخمس المقبلة.
ولا شك أن ما تحقق خلال المرحلة الأولى من إنجازات مرورية فاقت التوقعات يعود في الأساس إلى نجاح مختلف الجهات في الوفاء بمضامين وبنود الاستراتيجية. وقد كشف المنتدى السادس لمنسقي الجهات المعنية بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية الذي عقد خلال شهر مايو الماضي النجاحات التي حققتها مختلف القطاعات لا سيما ما يتعلق منها بالقطاع الصحي وقطاع النقل، وغيرها من القطاعات ذات الصلة المباشرة بالسلامة المرورية. وكشف المنتدى بالأرقام مدى التطور الكبير في خدمات الإسعاف ونقل المصابين وخدمات الطوارئ والاستجابة الطبية والتمريضية، مثل توفير الإسعاف الطائر وخدمات رعاية عالية الجودة على مدار الساعة في أقسام الطوارئ وخفض معدلات الإصابة بالإعاقة الناجمة عن التعرض للحوادث من خلال إنشاء مركز قطر لإعادة التأهيل والذي يعتبر أكبر مستشفى متخصص في المنطقة.
كما تم في قطاع النقل (من خلال وزارة المواصلات والاتصالات) تحقيق نقلة نوعية في المشاريع الموكلة إليها في إطار الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية مثل تدشين دليل تصميم الطرق للدولة ودليل قطر للتحكم المروري، وتدشين مشروع الخطة الشاملة لمعابر المشاة في قطر والتي تعد خطة شاملة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع مستخدمي الطريق مثل سائقي السيارات والمشاة وراكبي الدراجات الهوائية وذوي الاحتياجات الخاصة وتساهم في حفظ الأرواح والممتلكات عن طريق خفض نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث الدهس لتكون بذلك أحد أهم عناصر ومكونات الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية.
وشهد قطاع الطرق هو الآخر إنجازات مهمة منها تطوير نظام لمراقبة الأداء الشامل للسلامة على الطريق، ومشروع تحليل الحوادث ومعلومات أصول الطريق ووضع المبادئ التوجيهية لإدارة حركة المرور المؤقتة، وعمليات تقييم السلامة على الطريق، ووضع معايير الصيانة بدولة قطر. كما نجحت هيئة الأشغال العامة «أشغال» في إنجاز مشروع المسح الميداني لأصول وعناصر الشوارع في قطر، إلى جانب إنجاز عدد من المشاريع ذات الصلة بالطرق ومسارات المشاة والدراجات الهوائية، فضلا عن خطط الأمن والسلامة أثناء الدخول والخروج من المدارس المنتشرة في كافة أرجاء الدولة.
وفي السياق ذاته، أدت الشراكات التي عقدتها وزارة الداخلية مع العديد من الوزارات والمؤسسات والشركات ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك مع مجالس الجاليات المقيمة بالدولة، دورها في تعظيم تلك المنجزات وتسريع تحقيق جزء مهم من الأهداف التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية. وتراهن وزارة الداخلية على الحفاظ على هذا الزخم الكبير من التعاون والشراكة خلال المرحلة المقبلة أملا في تحقيق الرؤية التي يتطلع إليها الجميع وهي أن تصبح الدولة الأكثر تطورا في مجال الطرق والنقل والسلامة المرورية.
copy short url   نسخ
14/08/2018
1776