+ A
A -
أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمود عبدالعزيز، أن الصديقية أرفع درجة ومرتبة يبلغها المؤمن، متسائلاً: هل درجة الصديقية خاصة بالصحابة، وقد انتهت؟ أم من الممكن أن ينالها الناس إلى قيام الساعة؟ دل القرآن والسنة على أن من المؤمنين (الصديقين والشهداء والصالحين) وأنهم في الفضل والمنزلة على هذا الترتيب، فأفضل المؤمنين هم الأنبياء ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون، فأعلى مرتبة يصل إليها أتباع الأنبياء أن يكونوا صديقين.
واستدل فضيلته بحديث ابن القيم رحمه الله: (فالصديق هو الذي صدق في قوله وفعله، وصدق الحق بقوله وعمله، فقد انجذبت قواه كلها للانقياد لله ولرسوله)، في خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع شاهين الكواري بمعيذر الشمالي أمس، ودرجات الصديقين تتفاوت، لأن الإيمان ليس له حد ينتهي إليه، بل إنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة، فمن ظن أن هناك درجات إيمانية يقف عندها المؤمن صديقاً كان أو صالحاً، فقد أخطأ، قال تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)، قال ابن القيم: (فإن لم يكن في تقدم فهو في تأخر ولابد، فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الشريعة أو الطبيعة وقوف البتة).
وقال فضيلته إن أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها المؤمن الذي ليس من الأنبياء ولا من الصحابة ولا من السلف، هي درجة الصديقية، والصديقية أعلى المراتب بعد النبوة، ومدح الله سبحانه الصدّيقين في كتابه: فقال تعالى (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدّيقاً نبياً)، وقال تعالى: (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صدّيقاً نبياً)، والصدّيق: هو الذي يثبت صدق إيمانه في جميع المواقف الصعبة، والناس يتفاوتون في التعامل مع هذا البلاء: فبعضهم قد يشك في حِكمة الله، وبعضهم قد يسيء الظن به سبحانه، وبعضهم يتعجب، إلا أن القليل الذي يسلم أمره لله تعالى، فيكون صادقاً في إيمانه، فالصدق يظهر في المواقف الصعبة قال تعالى: (أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).
وقال فضيلته لكي نكون صدّيقين، فعلينا أن نصدق في إيماننا في جميع المواقف؛ وإلا فلو كان الصدق في بعض المواقف دون البعض، فهذا نزول عن درجة الصدّيقين، ولننظر في رحلة إسراء نبينا محمد، كذّب المشركون.. وسكت بعض المسلمين متعجبين من هذه الرحلة ولم يكذّبوا.. بل مجرد تفكير، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال: هذا صاحبك يزعم أنه قد أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم رجع من ليلته!! فقال أبوبكر: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال أبوبكر: فإني أشهد إن كان قال ذلك لقد صدق، وهذا موقف صعب؛ لأنّ في ذلك الزمان لم تكن عندهم مواصلات مثل أيامنا هذه، لكن لاحظ أبابكر صدّق مباشرة، دون تفكير.. فسُمّي الصدّيق، فلنكن صدّيقين، يظهر صدقنا في إيماننا بالله ورسوله في كل موقف وفي كل حين، لا نقدّم الحياة الدنيا على الدين، بل نتخذ الدنيا زاداً للآخرة التي نحن بها موقنون.
قال الخازن رحمه الله: «الصدّيق: الكثير الصدق.. والصديقون هم أتباع الرسل الذين اتبعوهم على مناهجهم بعدهم، حتى لحقوا بهم، وقيل الصديق هو الذي صدّق بكل الدين، حتى لا يخالطه فيه شك»، وقال القرطبي رحمه الله: «الصِّدِّيقُ: فِعِّيلٌ، الْمُبَالِغُ فِي الصِّدْقِ أَوْ فِي التَّصْدِيقِ، وَالصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ بِفِعْلِهِ مَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ، وَقِيلَ: هُمْ فُضَلَاءُ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «، وقال السعدي رحمه الله: «الصديقون: هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق»، وقال ابن القيم رحمه الله: «أَعْلَى مَرَاتِبِ الصِّدْقِ: مَرْتَبَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ، وَهِيَ كَمَالُ الِانْقِيَادِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَمَالِ الْإِخْلَاصِ لِلْمُرْسِلِ».
اتباع الصديقين
وأضاف فمن اتبع الصديقين على ما هم عليه من الصدق والتصديق، والتقوى والصلاح: كان منهم، وحشر معهم، قال تعالى: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء: 69، فمن أراد تحري هذه المنزلة، وأن يمن الله بها عليه، ويكون من أهلها: فعليه بالصدق التام في القول والفعل، وبتقوى الله في السر والعلن، والصدّيق مأخوذة من الصدق، كثير التصديق أو دائم التصديق لله تعالى وللرسل، والمفسرون فسروا الصديق والصديقة التي وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى قال تعالى: «وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام..» (المائدة الآية 75). ولا حرج على المسلم أن يدعو الله أن يكون من الصديقين.
علو الهمة
علو الهمة وطلب معالي الأمور والرغبة في مزيد التقرب إلى الله بفعل الصالحات وترك المنكرات من الأمور المشروعة المستحبة.
وأولياء الله تعالى هم الأتقياء من خلقه، فكل من كان تقياً كان لله ولياً، وتتفاوت الولاية بحسب إيمان العبد وتقواه، وأعلى درجاتها بعد منزلة النبوة: منزلة الصديقية، وأصحابها هم الصِّدِّيقُونَ.
عمل إذا عمله المسلم يكون مع الصديقين يوم القيامة ذلك العمل هو: الصدق والأمانة في التجارة، قال رسولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم (التاجر الأمين الصدوق المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة) صححه الألباني، هل كل صدّيق صالح، وكل صالح ليس بصدّيق؟ وهل الصديق مَن لا تقع منه الكبائر والصالح تقع منه مع التوبة؟ وما الفروق بين الصالح والصدّيق؟
copy short url   نسخ
04/08/2018
10941