+ A
A -
أكد فضيلة الدكتور محمد بن حسن المريخي، الإسلام دين يحترم الإنسان ويدعو إلى احترامه وتكريمه، وقال د. المريخي في خطبة الجمعة امس، التي ألقاها في مسجد الإمام محمد بن عبدالوهاب: لقد فطر الله تعالى الناس وخلقهم على حب من أحسن إليهم وبُغض من أساء إليهم فالنفوس تحب من يحسن إليها حسياً ومعنوياً وتبغض وتكره من يسيء إليها.
ولقد خلق الله تعالى الإنسان مكرما محترما كما قال سبحانه ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم كثيرا ممن خلق تفضيلا وأمر الله بالإحسان إلى الناس ومعاملتهم بالحسنى فقال ( وقولوا للناس حسنا).
وقال رسول الله (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) رواه مسلم.
فالإنسان بطبيعته وفطرته مخلوق محترم فهو يحب الاحترام ويحب أن يحترم ولا يرضى أن يهان بأي نوع من الإهانة، والإسلام دين يحترم الإنسان ويدعو إلى احترامه وتكريمه حتى في دعوته إلى الله تعالى فإنه لا يكره أحداً في الدخول فيه (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
وقد أكثر الله تعالى في القرآن في بيان ذلك الاحترام والحث عليه والترغيب فيه والأمر به والتحلي بحلية والتزين بزينته، فجاء الاحترام في الإسلام في المخاطبة كقوله تعالى «وقولوا للناس حسنا» وفيما بين المؤمنين أنفسهم كقوله «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن» أو في دعوة الناس إلى الإسلام حتى وهم كفار ملحدون أو مارقون، يقول تعالى «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».
ومع من يخالفنا في الدين ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى» وفي الخصومة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما ذلك إلا لما للاحترام من النتائج الإيجابية والثمرات الطيبة، ولما للإهانة من النتائج السلبية المؤسفة.
أيها المسلمون: وإنه إذا أراد الله تعالى بعبد خيراً زينه بخلق الاحترام واحترام الناس فتحلى به حتى اشتهر به ولبس ثوبه الجميل وتدثر بدثاره الأنيق.
وأضاف د. المريخي: إن احترام الناس وتوقيرهم أدب رفيع يتحلى به الموفقون من عباد الله المسددون من الناس، ويتصف به الكبار، كبار المقام وعالي الهمة والقمة، الذين رفعتهم طاعة ربهم حتى زينهم الله بها، وهذبهم دينهم وأدبتهم صلاتهم وأثرت فيهم خشيتهم من الله تعالى وصفت قلوبهم وطهرت سرائرهم فتواضعوا لله تعالى ولانوا لإخوانهم فرفعهم الله بها.
باحترامهم للناس أدخلوا الناس في دين الله وأنقذوهم من النار بتوقير عباد الله وقّرهم الله وأعلى مكانتهم بين عباده فكانوا مصابيح للعباد وسرجاً للناس يبصرون بهم بعد الله تعالى طريق الهدى ودرب الرشاد.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم واخفض جناحك للمؤمنين ويقول له «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين».
أيها المسلمون.. لقد تزين باحترام الناس سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام فكان مضرب الأمثال في احترامه للناس حتى أعجب به أعداؤه قبل أصحابه. يتبول إعرابي في المسجد فلا يعنفه ولا يلومه، ويمنع من الاعتداء عليه، ثم يوجهه ويرشده ويعلمه، فيأسر باحترامه وخلقه صلى الله عليه وسلم هذا الأعرابي الذي لم يتمالك نفسه فيتوجه إلى ربه داعياً أن يرحمه ومحمداً ولا يرحم معهما أحدا.
ويغضب على ابن مسعود الذي يضرب غلامه بالسوط ويهدده بأن الله أقدر وأقوى عليه من قدرته على هذا الخادم الضعيف اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام فسقط السوط من يدي ابن مسعود ويقول هو حر يا رسول الله فيقول رسول الله له أما لو لم تفعل للفحتك النار رواه مسلم.
ويقف صلى الله عليه وسلم احتراماً لجنازة ميت، وتموت امرأة سوداء كانت تقم المسجد وتنظفه فيدفنها الصحابة، فيذهب إلى قبرها ويصلي عليها.
ويقول أنس رضي الله عنه خدمت رسول الله عشر سنين والله ما قال لي قط أف، ولا قال لشيء فعلته لم فعلت ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا. رواه البخاري ومسلم
ويقول رضي الله عنه ما مسست قط ديباجاً ولا حريراً ألين مساً من رسول الله.
ووجه د. المريخي حديثه للمسلمين، وقال:
أيها المسلمون.. احترام الإنسان للناس وتوقيره لهم يرفع مقامه ويعلي شأنه عند الله تعالى وعند عباده من تواضع لله رفعه ويرتفع المرء عالياً في عيون الناس ويحبونه ويوقرونه لاحترامه لهم ويدعون الله له بالتوفيق والقبول، ولقد اشترى قلوبهم ومودتهم وحبهم ومودة الله تعالى قبلهم.
وتابع.. إن احترام الناس رقي ورفعة وأدب وسمو خلق، وإن الاحترام إذا كان بين الناس كان سبباً كبيراً في البناء الحسي والمعنوي، بدليل أن المجتمعات التي يختفي فيها الأخلاق الكريمة وخاصة خلق الاحترام..
هذه المجتمعات قد سقطت وانهارت أمام هجوم الأخلاق السيئة وانتشرت فيها الجريمة والخيانة فضلاً عن اهتزاز أمنها وأمانها ذلكم لأن هذه الأخلاق الكريمة تبنى وترمم وتهذب وتقوّم.
أيها المسلمون.. يقابل هذا الخلق الكريم خلق سيئ ذميم، هو احتقار الناس وإهمالهم.
الاحتقار صفة ذميمة لا يتصف بها إلا ذميمٌ مذموم ولا يحتقر الناس إلا حقير ناقص، لأن الاحتقار صفة المستكبرين وسمة الجاهلين وعلامة الخاسرين.
(يأيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ).
إن الاحتقار كِبرٌ واستعلاءٌ وإعجابٌ وغرور.
يقول رسول الله المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ويقول بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
إن الذي يحتقر الناس إنما يحتقر نفسه ويكشف للناس عورته وسوءته باحتقاره للناس فيعرفه الناس بهذا الخلق الذميم فيحذرونه.
كم خسر البعض من الخسائر الحسية والمعنوية بسبب عدم احترامه للناس، كم هجر الناس من المجالس والمقاعد واللقاءات والاجتماعات بسبب عدم احترامهم وقلة تقديرهم وتوقيرهم.
لقد اقتصر البعض احترامه على من عنده الدنيا ومناصبها وأموالها وتجاراتها، حتى اقتصر سلامه على هذه العينة من عبّاد الدنيا، بينما يبخل على غيرهم ممن لا يملكون من الدنيا إلا خشاشها.
إن عدم احترام الناس يجر على المرء كل بلاءٍ حتى الدعاء عليه.
مر رجل على رسول الله وهو جالس مع بعض أصحابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ( ما رأيكم في هذا، قالوا: هذا من الأشراف، حريّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع. ثم مر رجل فقير، فسألهم رسول الله عنه فقالوا: هذا من فقراء المسلمين، حريّ إن خطب ألا يُنكح وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع له، فقال رسول الله الرجل الفقير هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا).
أيها المسلمون.. ومن احتقار الناس، الاهتمام بشؤون ومعاملات الغنى والقيام بها والحرص عليها وتيسيرها وإهمال الفقير وشؤونه وعدم الحرص على تخليص وتيسير أموره وتركه تموج به أمواج الإهمال والتأخير والتعب والشقاء والعناء.
لقد ضيّع الحمقى وفرطوا واغتروا في إمهال الله تعالى لهم، وأساؤوا إلى عباد الله بأساليبهم الهابطة ومعاملتهم الرخيصة فاحذروهم، وأحسنوا إلى أنفسكم وإخوانكم والناس أجمعين واعلموا أن المرء بأخلاقه الكريمة ودينه المستقيم وليس للإنسان إلا ما سعى.
copy short url   نسخ
28/07/2018
4182