+ A
A -
عبد اللطيف حيدر
إن الاختلاف سنة كونية مُذ خلق الله الكون، ومن فيه إن اختلاف الليل والنهار آية من آياته، واختلاف ألوانكم وألسنتكم آية أخرى كذلك، والكثير من الآيات المدركة وغير المدركة تسعى إلى تجسيد كونية وحتمية الاختلاف، وليست المشكلة في الاختلاف حتماً، بل الاختلاف آية بديعة لولاها لفسدت الحياة وركدت على حال واحد ممل، إنما الحياة تدافع وتقلب وتلوُّن وتبايُن في ظروفها وأحوالها.
إن الاختلاف يصنع الكمال والإبداع فَلَو مثلاً فكّر الناس جميعاً بعقلية توماس إديسون، لما شهدت الحياة من حركة سوى الطاقة الكهربائية، ولو فكروا كذلك بعقلية آينشتاين لما تجاوزوا حدود نظريته النسبية، ونيوتن وقوانين الفيزياء أيضاً، لذلك، الاختلاف جزء منّا جزء من بشريتنا وجزء من قوانين الكون والطبيعة من حولنا.. يجب ألا نمضي عكس دوران الحياة بطبيعتها، بل عكس فطرتنا التي فطرنا عليها، إننا بحاجة إلى الاختلاف أكثر من حاجتنا إلى الاتفاق إجمالاً، الاختلاف بيئة صحية في عملية التفاعل في الفكر والوجود الإنساني، كلّ منا له سمة شخصية وهوية ذاتية وبصمة تختلف كلياً عن ذات الآخرين، كلٌ منّا ينظر إلى الحياة والكون بنظرة ذاتية لا تتطابق بالضرورة مع رؤية الآخرين.. الحياة هي مجموعة من المتناقضات والاختلافات التي تصنع الحراك الطبيعي في الكون وإلا لكان على حال واحد راكداً لا قيمة له، الاختلاف ثقافة إنسانية ثمينة نحتاج إلى تعزيزها في أوساطنا وتشجيعها، بل ونوطن ذاتنا إلى جعلها سلوكاً ذاتياً في سلوكنا الشخصي ولا أن نجعل منها مشكلة تعيق مسيرة حياتنا ونلقي عليها كل لأئمة بفشلنا ونعلق آمالنا على معجزة الاتفاق الخارقة حتى نعيش بسلام، فالسلام صناعة إنسانية بامتياز.
انظروا إلى اختلاف الغرب الجذري وطرائق اتفاقهم في فهم ثقافة الاختلاف والتعامل معها، بل واستثمارها في تكوين نموذج إنساني حضاري لقيم العيش.
إن ما يجب باعتقادي هو فهم طبيعية وأحقية الخلاف وتعميق إيماننا الحتمي به، والسعي إلى أن نعكس سلوكاً حضاريا راقياً في التعامل مع هذا الاختلاف، من خلال إيجاد قيم عيش مشتركة وأرضية واسعة تسع الجميع باختلافهم فقط لاتفاقهم على العيش جميعاً بسلام وبتمايزهم الذاتي، الذي يضمن تحقيق التكامل المجتمعي ويعكس السمة المدنية والحضارية الناتجة عن الوعي الجمعي وليس الاتفاق الجمعي بأحقية الحياة للجميع.. لسنا من سيفعلها أو يسُنها فقد عاش رسولكم الكريم عليه أتم التسليم مع كل الاختلافات في مدينة الإسلام الأولى واحتفظ للجميع باختلافه مقابل قيم العيش المشترك، ونتاج ذلك الوعي الجمعي الذي نقصده كما يقول مارتن لوثر: «علينا أن نتعلم كيف نعيش جميعاً كأخوة أو نموت جميعاً كأغبياء».. فلماذا يا ترى نخفق لأننا عمداً كمن يحاول الدخول من الباب المغلق!
copy short url   نسخ
17/03/2018
8947