+ A
A -
بيروت- الوطن - نورما أبو زيد
يعتبر لبنان أرخبيلاً طائفياً متنوّع الانتماءات والسلالات والثقافات، وهذا الأرخبيل مدهش، ولعلّ أكثر ما يدهش فيه، هو أنّه وصفة مستدامة للاضطراب. منذ دخل اللبنانيون عصر التلاقح الطوائفي تحت سماء دولة مركزية واحدة، يكرّرون التناوب على الغلبة، ولكن الفولكلور اللبناني يفرض على مسؤولي الطوائف التكاذب، إلى حدّ الحديث عن لبنان الأنموذج للتعايش والتوافق. لم يحلّق لبنان يوماً بجناحين متوازنين، بل كانت في كلّ حقبة تختطفه طائفة، وكثيراً ما حلّقت به الطوائف المختطفة خارج السرب الوطني.
البداية كانت مع «المارونية السياسية» التي جعلت لبنان بلداً منفصلاً عن محيطه سياسياً رغم الاتصال به جغرافيا، وكي تنفصل فكرياً عن محيطها، الذي ليس بمقدورها الانفصال عنه مكانياً، اعتبرت البلد جسراً بين الشرق الذي تسكنه، والغرب الذي يسكنها.
«المارونية السياسية» التي حكمت لبنان تحت عنوان التفوّق المسيحي في الانفتاح والديمقراطية والحرية والثقافة والتعليم و.. و.. و.. لم تمت ميتة طبيعية، بل أُريد لها أن تموت، وماتت.
أنفق اللبنانيون ربع قرن من عمرهم وهم يعيشون صداع التسوية التي قطعت أنفاس «المارونية السياسية» كي تنفخ حياة في «السنية السياسية».
بعد الدولة الجمهورية الدستورية البرلمانية الديمقراطية الليبرالية التي أسّسها المسيحيون وحكمها رئيس ماروني «ملك»، قامت دولة في «الطائف» حوّلت هذا الرئيس الملك إلى مجرّد حكم.
حافظ «الطائف» على رتبة الماروني المرموقة في رأس الهرم، ولكن دون صلاحيات تُذكر. بات حارس «الهيكل الماروني» مجرداً من أسلحته التي يدافع بها عن هيكله، فشعرت الطائفة بالهزيمة.
ما خسره الموارنة في «الطائف» ربحه السنّة. مع «الطائف» انتقل لبنان من زمن «المارونية السياسية» إلى زمن «السنية السياسية»، ولكن لسوء طالع السنّة، ولدت «السنية السياسية» في زمن الوصاية السورية، ولذلك لم تتمكّن من «تصريف» الصلاحيات الممنوحة لها، إلى نفوذ مطلق بفعل التدخلات السورية في تسيير شؤون البلاد السياسية. هكذا الطائفة التي اتّهمت بوراثة الموارنة في السلطة والحكم فشلت. ومع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان وجهاً من وجوه الصراع السني – الشيعي، سلّمت الطائفة السنية «الإرث الماروني» إلى «الشيعية السياسية»، ولعلّ في ذلك ما يثبت أنّ التكرار في لبنان لا يعلّم أحداً.
دائماً هناك طرف طائفي متقدّم، ودائماً هناك ملحقات طائفية ضعيفة. فكر التفوّق الطائفي يشكّل ركيزة الحكم في لبنان. التعايش قائم بفعل الضرورة المكانية، وفرضية العيش المشترك الكاذبة لا وجود لها بغير النصوص. أمّا النفوس فلها فرضيات أخرى معشعشة في ثناياها.
لم تكن الطوائفية اللبنانية متآلفة يوماً في الحكم، وهي اليوم ليست متآلفة. لقد اعتقد البعض لوهلة أنّ الحرب الدستورية المندلعة على خطّ بعبدا – عين التينة بين رأس الهرم اللبناني ورئيس المجلس النيابي على خلفية مرسوم «الأقدمية» لضباط 1994، هي حرب أحجام على صعيد الأشخاص، ليتبيّن في وقت لاحق أنّ الحرب هي حرب أحجام على صعيد الطوائف، وهذا الأمر ليس بجديد على لبنان. كلّ هذه أعراض لـ «متلازمة لبنان».
copy short url   نسخ
24/01/2018
1352