+ A
A -
قلت لصديقي نوري سانشو: إن التسمية أول المعرفة وأول الملكية. واستشهدت له بالأمثلة، فقلت: إن الله فضّل آدم على الملائكة بالأسماء، فسجدوا له إلا إبليس أبى، «قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»، كأنه قال: أنا ابن ست، وهو ابن جارية. وقلت: إن إسرائيل تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وما توسّخ إلا منها، وأية دولة عربية طينية تحاول منافستها، يجري ضرب ثمارها بالنار المعبودة. فالجندي الإسرائيلي المسلّح، لا يخرج إلا مسلحاً بالنار، قبل أن تؤتي الشجرة أكلها.
الأحزاب والقوى والدول، تدرك معنى الأسماء وقوة التسمية، وأول درجات الامتلاك والهيمنة هي التسمية، خذ مثلا: قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من روسيا وأميركا، خذ مثلا، وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا الأسد، خذ جائزة نوبل للسلام، وقد مُنحت لقتلة، وصاحبها أكبر قاتل في البشرية برمتها. والإعلام يقوم بالتزوير والنفير هذه الأيام، ونحن الضحايا. وخلصتُ إلى أمرٍ آخر، فقلت لسانشو: إني كنت أحفظ في أيام المدرسة أسماءً ومصطلحات صعبة، ولو كان المعلم مقتدراً، لسهّلها علينا. وإن كتّاب الحداثة يختبؤون خلف المصطلحات الغامضة، فهم مثل الكهنة.
وذكرت مثالاً عن معلم علوم طبيعية، كان يدرك أهمية إثارة عقولنا بالأسئلة، فيسألنا سؤالاً، فننشغل به، حتى يستقر في عقولنا، ثم يعطينا الجواب. وأذكر أني كنت في الصف العاشر، عندما سألنا ما التثفيل؟
ثم عرّفنا بالجواب، وهو تعريض العينة لدوران سريع جداً في المخبر. ولو كنت محله، لسهّلتُ الجواب، وقلت: التثفيل هو ترسيب السائل لتحصيل الثفل، أو التفل، وكلنا نعرفه من ثمالة فنجان القهوة، وهو الرسابة من الماء ونحوه، كما يقول المعجم.
أما سبب تذكري للتثفيل، فهو أن البلدان العربية تتعرض للتثفيل. قال المعلم علي الطنطاوي، وهو أحد معلمي القرن الكبار، ولم يرد ذكره في كتاب «رواية اسمها سوريا» التي اختار مبوّبُوها أن يصدروا أَعلامهم آخرين.. والطنطاوي رائد في فن القصة أيضاً. قال في صفات المعلم:
كان من أسباب توفيقي ثلاث، أوصي بها من أراد أن يكون معلّماً ناجحاً:
أولها: استيعاب المادّة التي يدرّسها والإحاطة بها، والرجوع إلى كلّ كتاب يصل إليه من كتبها، لا يقتصر على الكتاب المقرَّر.
الثاني: أن يسلك إلى أفهام الطلاّب كل سبيل. أما الشرط الثالث: فهو أن يكون طبيعياً. فإن لم يعرف المسألة قال للطلاب: إني لا أعرفها، وإن أخطأ قال لهم: إني أخطأت فيها».
ونعود إلى السياسية، وقد صار الطاغية، المعلم الأول، تقف له الجماهير وتوفه التبجيلا، فصار أكثر الموظفين في الدولة لصوصاً، مثل «اللص الأول» في مصر، الذي لا يكتفي ببيع الجزر، بل يطمع في الفّكة أيضاً.
قال نوري: خال.. شردت بعيداً.. عد بنا إلى التثفيل؟
فرويت له قصة الفلاح المصري الذكي، الذي كان يحمل جرذاناً إلى مخبر علمي مصري، وكان يخضّ الكيس كل ساعة، فسأله جاره: لمَ تخض الكيس؟ فقال: في الكيس جرذان، حتى تتصارع، ولا تعمل مظاهرة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
قال نوري: لا تثفيل، ولا تسفيل، نحن في عصر التبغيل.
copy short url   نسخ
24/01/2018
1462