+ A
A -
حسن أبو هنية

تكشف العملية العسكرية التركية في عفرين، التي أطلق عليها «غصن الزيتون»، خطوط اللعبة الاستراتيجية في سوريا، وسياقات التقاسم والتقسيم ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية خصوصا، والجهادية العالمية عموما. إذ تدفع عملية عفرين كافة أطراف الصراع الدولي والإقليمي إلى تحديد مسارات أكثر وضوحا في تقاسم وتقسيم مناطق النفوذ والسيطرة، وتدشن نهجا واقعيا يتجاوز الطموحات الاستراتيجية الخيالية بالتفرد المطلق في تحديد مستقبل سوريا. فعملية عفرين تأتي عقب تنامي الشكوك التركية بحليفيها المزعومين، الأميركي والروسي، بعد الإعلان الأميركي مع حلفائها الكرد عن تشكيل جيش حرس حدود بمكون أساسي كردي، وسيطرة روسيا مع حلفائها على مطار أبو الضهور وتقدمها في إدلب، حيث تبعث تركيا برسالة قوة مغلفة بالسلام لأطراف الصراع الأميركي الروسي؛ تؤكد من خلالها قدرتها على خلق صعوبات إذا لم تؤخذ مصالحها الأمنية القومية بالحسبان.

تأتي عملية عفرين في سياق السياسة الدفاعية التركية للحفاظ على أمنها القومي؛ الذي أصبح مهددا بعد أن تكشفت النوايا الأميركية بصورة أساسية والطموحات الروسية بصورة ثانوية، فعلى مدى سنوات الأزمة في سوريا لجمت الولايات المتحدة مطالب لأتراك بإنشاء منطقة عازلة. فمنذ تشكيل التحالف الدولي في 14 سبتمبر 2014، قامت أميركا بالتنسيق مع عدو تركيا اللدود المتمثل بقوات حماية الشعب الكردية، وساهمت بصورة متدرجة بخلق كيان كردي يهدد الأمن القومي التركي. فعندما قررت الولايات المتحدة في 9 أكتوبر 2015 إلغاء برامج تدريب المعارضة السورية، كانت قد حسمت خياراتها الاستراتيجية بالاعتماد على الأكراد كحلفاء أساسيين، من خلال الإعلان عن تشكيل «قوات سوريا الديمقراطية»، في 12 أكتوبر 2015، والتي تجاوزت أهدافها التصدي لتنظيم داعش، وتقدمت لتسيطر على سد تشرين، ولتحصل على معبر إلى غرب الفرات. وعلى الرغم من الاحتجاجات التركية على مواقف الإدارة الإمريكية بخصوص الطموحات الكردية، إلا أنها لم تتخذ مواقف مؤيدة للمطالب التركية.
جاء قرار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة؛ بإعلانه في 14 يناير2018 أنه يعمل مع فصائل قوات «سوريا الديمقراطية» لتشكيل قوة حدودية قوامها 30 ألف فرد، وقد تصل أعدادها مع القوات شبه العسكرية إلى 70 ألفا، ليؤكد على النهج الاستراتيجي الأميركي بفرض تقسيم واقعي لسوريا، عبر خلق كيان كردي على غرار العراق، دون تحقيق استقلاله قانونيا؛ لإبقائه مرتهنا للقرار الأميركي، وذلك في سياق مناهضة روسيا وإيران وتركيا تحت ذريعة عدم السماح بعودة تنظيم الدولة الإسلامية. وقد أثارت الفكرة تركيا قبل الإعلان الرسمي لإنشائها، حيث استدعت وزارة الخارجية التركية القائم بأعمال السفارة الأميركية في تركيا في العاشر من يناير الماضي، مطالبة إياه بتوضيحات بشأن تلك القوة، ورافضة وجودها الذي سيضر بأمنها القومي. وفي محاولة للتعمية وطمأنة تركيا، قال بيان التحالف: «إن هذه القوات ستنتشر على الطرف الشرقي لنهر الفرات الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وعلى الحدود الشرقية والشمالية لسوريا»، في إشارة لإخراج عفرين من المعادلة. لكن قوة حرس الحدود في حقيقة الأمر يؤسس لقيام «جيش نظامي» تؤسسه الولايات المتحدة، تحت إمرة جنودها المنتشرين في سوريا، والذين يبلغ تعدادهم نحو ألفي عنصر مرشحين للزيادة.
copy short url   نسخ
24/01/2018
1134