+ A
A -
د. محمد أيوب
في الظاهر، سيكون من السخف الادعاء بأن بإمكان كيان صغير ومنزوع السلاح ومحتل مثل فلسطين، التهديد بسحب الاعتراف بإسرائيل، القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط والحليف الأقرب للولايات المتحدة في المنطقة. ولكن هذا ما حدث قبل يومين عندما خرجت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتوصية تنص على تجميد الاعتراف بإسرائيل.
ومع أن التوصية جاءت، في جزء منها، رداً على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل مما يعني إخراج المدينة من دائرة التفاوض، إلا أن جذور المشكلة تعود إلى الإحباط الفلسطيني من السياسات الإسرائيلية منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993، هذه السياسات التي أجهضت فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة بجوار إسرائيل.
جاءت خطوة ترامب الكارثية لتطيح بأسطورة الحل، التي طالما خدرت أعصاب الفلسطينيين، ومنحت الولايات المتحدة سمة الوسيط النزيه ومكّنت حكومات اليمين الإسرائيلي من مواصلة البناء الاستيطاني وتقويض أسس التسوية الموعودة.
غير أن قرار ترامب بشأن القدس عمل على إيقاظ قادة المنظمة وحركة فتح من غفوتهم ليدركوا أخيراً حقيقة أن الارتباط بأميركا مكلف للغاية، سواء للقضية الوطنية أو لمصداقية القيادة في نظر الشعب الفلسطيني، والأهم من ذلك أنه أجبر القيادة الفلسطينية، وخصوصاً بيروقراطيو فتح، على الالتفات للخطأ الأساسي الذي ارتكبوه وهو الاعتراف بإسرائيل بدون اعترافها بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967. كان كل ما حصلت عليه القيادة الفلسطينية وقتها هو اعتراف إسرائيلي بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، علما بأن هذه السمة كانت وقتها أمراً واقعاً أملته خطوة الملك حسين الخاصة بفك الارتباط بالضفة الغربية والاعتراف الدولي الواسع النطاق بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني. الواقع أن الخطوة الإسرائيلية لم تفعل أكثر من تلميع صورة عرفات وتعزيز وضع إسرائيل في المواجهة مع التنظيمات الفلسطينية، بعيداً عن الهدف الأهم وهو الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة خاصة بهم. وها هو المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، يصف اتفاق أوسلو بأنه كان مجرد «أداة للاستسلام الفلسطيني، وفرساي فلسطينية». باختصار فإن ما فعله عرفات كان هدره للورقة التفاوضية الأهم - الاعتراف بإسرائيل- بدون أن يحصل على أي شيء بالمقابل. لقد وثق عرفات بمفاوضيه الأميركيين والإسرائيليين بدون الحصول على أي تعهدات ملزمة فيما يتعلق بالحدود، بل وبشكل الدولة الفلسطينية الموعودة. وهنا يختزل العالم الإسرائيلي البريطاني أفي شليام، وصف عملية السلام الزائفة بالقول «نتانياهو أقرب إلى مفاوض على قطعة بيتزا، لا يتوقف عن أكلها طوال العملية التفاوضية».
ما خرج به أعضاء اللجنة المركزية لمنظمة التحرير قبل أيام، بضرورة سحب الإعتراف الفلسطيني بإسرائيل، يظهر صواب موقف منتقدي عرفات قبل 25 عاماً. غير أن هذا الاعتراف المتأخر بالخطأ لا يجيب عن السؤال الأساسي التالي: ما الذي تأمل منظمة التحرير في تحقيقه من خلال التهديد بسحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل؟ خاصة وأن المنظمة هي الطرف الأضعف في المعادلة.
البداية تكون بعملية إصلاح جذري للاستراتيجية الفلسطينية الخاصة بإدارة الصراع، وتعديل الاستراتيجية بطريقة تعكس الواقع على الأرض في الضفة الغربية، والذي يشير بوضوح إلى أن قيام دولة فلسطينية لم يعد بالحسبان في ظل البلقنة التي وصلت لها الضفة الغربية وانتشار المستوطنات يضاف لذلك هناك إصرار إسرائيل على ضرورة الحفاظ على وجود عسكري دائم على الحدود مع الأردن ونزع سلاح الدولة الموعودة مما يترك الفلسطينيين تحت رحمة الجار اليهودي. أنصح القيادة الفلسطينية بإدخال تعديل على نص قرارها الخاص بسحب الاعتراف بإسرائيل لينص على العبارة التالية: لن نعترف بإسرائيل «بشكلها الحالي» وذلك كمدخل للخطوة التالية وهي توضيح رؤيتها لحل الدولة الواحدة التي تمنح نفس الحقوق لمواطنيها من الشعبين من أتباع الديانات الثلاث. وعلى أي حال فإن تحقيق ذلك يبقى رهناً بحدوث تغيير ضروري في منظمة التحرير وفتح، في وقت لا يزال محمود عباس يغرد خارج سرب الجيل الأصغر من الفلسطينيين. فبالرغم من حديثه الغاضب في آخر اجتماع للجنة المركزية لمنظمة التحرير والذي أعلن فيه موت مسيرة أوسلو وازدراء المساعدات الأميركية، إلا أن عباس أعجز من أن يتخلى عن نهجه وطريقة تفكيره التي عفا عليها الدهر، وخاصة فيما يتعلق بمواصلة الحديث عن حل الدولتين.
من شأن تغيير الحرس المستحق منذ فترة طويلة أن يحدث تحولاً رئيسياً في المقاربة الفلسطينية بل قد يمهد الطريق لحل نهائي لهذا الصراع.
copy short url   نسخ
24/01/2018
2525