+ A
A -
قالت صحيفة فايناناشال تايمز البريطانية إن هناك طوفاناً من التعليقات والتحليلات بدأ يتوالى منذ النتيجة المفاجئة للاستفتاء حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.. وكانت مفاجئة، لأن معظم التوقعات أشارت إلى أن البريطانيين سوف يرفضون الخروج من الاتحاد مثلما رفض الاسكتلنديون الخروج من بريطانيا.. كما اجتهد أنصار الاتحاد أنفسهم في شرح مزايا البقاء فيه وعواقب الخروج منه.. وللحق كانت حججهم مقنعة للغاية ومؤيدة بالأرقام التي يسهل فهمها على المواطن العادي حتى ظن البعض أن الاستفتاء حسم لصالح البقاء قبل أن يبدأ. وها هو بنك «جولدمان ساكس» الاستثماري الأميركي يصر على إقامة مركزه الإقليمي في لندن بتكلفة وصلت إلى مليار دولار قبل عدة شهور لثقته في نتائج الاستفتاء.


ومن هذه التحليلات ما يدور حول تساؤلات تبحث عن إجابة من المساهمين في الشركات الأوروبية والتي تتعامل مع بريطانيا أو يتأثر نشاطها ببريطانيا من قريب أو بعيد.. ويدور السؤال حول الآثار المتوقعة على شركاتهم لخروج بريطانيا من الاتحاد وكيفية التعامل معها.. وتهتم أيضا أجهزة التنظيم والرقابة في دول عديدة بالبحث عن إجابة لهذه التساؤلات.
وبالنسبة للشركات، فالواضح أن بعضها تبنى رؤية لننتظر ونرى.. وقليل منها من وضع خطط طوارئ لمواجهة أي نتيجة متوقعة مثل نقل مراكزها الرئيسية.. وعلى ذلك، فإن الشركات بدأت منذ صباح السبت في وضع خطط للتعامل مع هذا الوضع غير المتوقع.
وسوف يساعدها في ذلك أن قواعد التعامل مع الأسواق البريطانية لن تتغير بين يوم وليلة، بل سيتم ذلك بشكل تدريجي على مدى فترة تتراوح بين عامين إلى خمسة أعوام، مما يساعدها على توفيق أوضاعها.. لكن المشكلة هنا أن التداعيات المباشرة وما يصيب أسواق المال من اضطرابات سوف يؤثر بالتأكيد على الطلب على سلعها وخدماتها.
وعلى ذلك من المتوقع أن يسعى رؤساء الشركات إلى الضغط على حكوماتهم، وعلى قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل كي يكون الطلاق بين بريطانيا والاتحاد طلاقاً سهلاً هيناً يراعي مصالح الشركات ورجال الأعمال.. ولن يقتصر الاهتمام بذلك على الشركات البريطانية، بل سوف تسعى إليه على وجه الخصوص الشركات الفرنسية والألمانية التي تربط بمعاملات كبيرة مع بريطانيا.
وفى ذلك، يقول المحلل المالي مجتبى الرحمن: إن هذه المفاوضات لن تكون اقتصادية فقط، بل سوف تكون سياسية أيضاً، حيث إنها سوف تأخذ في الاعتبار الانتخابات الفرنسية والألمانية التي تجرى العام القادم حتى لا تكون هناك انعكاسات سلبية على نتائجها.. كما أن نتائج هذه المفاوضات سوف تلعب دوراً رئيسياً في صياغة شكل العلاقة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي مستقبلاً في مرحلة ما بعد الطلاق.
ورغم أن رجال الأعمال من أنصار الخروج من الاتحاد والشركات الأصغر حجماً سوف تكون سعيدة بالهروب من القواعد والتنظيمات الصارمة للاتحاد الأوروبي، فإنها سوف تكون مجبرة على إحداث بعض التغييرات مع الخروج من الاتحاد.. فسوف تقلل مثلاً من أعداد العاملين فيها من مواطني الاتحاد الأوروبي، مما سيجعلها تحت رحمة العمالة البريطانية التي تغالى في أجورها.. وكما يقول الملياردير اليهودي جورج سوروس سوف تحجم الشركات البريطانية سواء كانت مؤيدة أو معارضة عن ضخ أي استثمارات جديدة تسهم في توفير فرص عمل جديدة وزيادة الطاقة التصديرية بسبب حالة عدم اليقين بالنسبة لظروف السوق.
أما على المدى الطويل، فإن الأمر يتوقف إلى حد كبير على الترتيبات التي سوف يتم الاتفاق عليها بين بريطانيا وشركائها التجاريين في الاتحاد الأوروبي حول إدارة مرحلة ما بعد الطلاق.. وسوف تكون صناعة الخدمات المالية في مقدمة الصناعات التي تتأثر بخروج بريطانيا من الاتحاد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها.. فلابد من الوصول إلى اتفاق بديل للوضع الحالي الذي يسمح أو كان يسمح للبنوك التي تقع مقارها الرئيسية أو الإقليمية في بريطانيا بممارسة نشاطها في دول الاتحاد الأوروبي بلا قيود.. فكيف سيكون الوضع إذن. ويقول المحللون: إنه في حالة الفشل في التوصل إلى اتفاق مناسب سوف يفقد البريطانيون مئات الألوف من فرص العمل في قطاع الخدمات المالية وحده.. ويقدر بنك جي بي مورجان الأميركي إنه في حالة غياب الاتفاق المناسب سوف يجد نفسه مضطراً إلى تسريح أربعة آلاف من العاملين في فروعه ببريطانيا، لأنه لن يكون قادراً على الوصول إلى سوق واحدة واسعة.
ويقول محلل آخر في مجموعة سيتي المصرفية الأميركية: إنه يتعين خلال مفاوضات الطلاق مع الاتحاد حماية حي المال والتجارة في لندن المعروف باسم سيتي أيضا لأنه القلب المالل لأوروبا.
ومن المتوقع أيضا أن يتأثر قطاع الزراعة في بريطانيا، حيث سيفقد الدعم السخي الذي كان يحصل عليه من الاتحاد الذي تجاوز العام الماضي حاجز الثلاث مليارات استرليني شكلت 55 % من دخل المزارعين في بريطانيا.
لكن مسؤولاً بريطانيا يرد على تلك الملاحظة، وهي أن جزءاً كبيراً من هذا الدعم كان من مساهمات بريطانيا في ميزانية الاتحاد وسوف يعود إلى المزارعين بطريقة أخرى مباشرة من الخزانة البريطانية.. وفى الوقت نفسه، فإن الفلاح البريطاني سوف يتحرر من قيود عديدة من قيود الاتحاد الأوروبي، وتسبب له خسائر عديدة.
ويأتي ذلك رغم بيان أصدره في أبريل اتحاد المزارعين البريطانيين، أكد فيه على مخاطر الخروج من الاتحاد الأوروبي وأن الخروج سوف يجعل مزارع كثيرة في بريطانيا تغلق أبوابها لعجزها عن تصريف منتجاتها.
وسوف تحد الحواجز التجارية التي ستنشأ في مرحلة ما بعد الطلاق من قدرة المصدرين البريطانيين في قطاعات عديدة صناعية عديدة على التصدير للاتحاد الأوروبي الذي يعد السوق الثانية للصادرات البريطانية، خاصة صناعة السيارات والصناعات الغذائية، حيث تستورد دول الاتحاد 45 % من صادرات الغذاء البريطانية.. وسوف تمتد السلبيات إلى قطاعات أخرى مثل الطاقة والاتصالات.. وكل ذلك كان معروفاً قبل الاستفتاء.. فلماذا جاءت النتيجة على هذا النحو؟
copy short url   نسخ
27/06/2016
1677