+ A
A -
كلما ظهر تحرك جديد لإدارة «صندوق النقد الدولي» أجد نفسي أستعيد إلى الذاكرة الوصفة التقليدية التي يفرضها الصندوق على حكومات دول العالم الثالث «بما في ذلك حكومات بعض الدول العربية» باسم «الإصلاح الاقتصادي». وهي وصفة تتضمن سلسلة متكورة من الأوامر والنواهي على وزن: لا تدعم السلع الضرورية، لا تجعل التعليم مجانياً، لا تبن مساكن للفقراء، لا تحاول تضييق الفوارق بين الشرائح الطبقية.
الآن يعتزم الصندوق القيام بتحرك جديد نحو الأردن بمناسبة تعيين حكومة أردنية جديدة لتتولى جولة مفاوضات جديدة مع وفد من إدارة الصندوق، وسيكون على رأس الأجندة التفاوضية مديونية الأردن الخارجية، وفي هذا الصدد يقول المحلل الاقتصادي الأردني، سلامة الدرعاوي، إن حكومة هاني الملقي ورثت وضعاً اقتصادياً صعباً من الحكومات السابقة «التي أدخلت الاقتصاد الأردني في نفق مظلم»، وبات الاقتصاد الأردني أسيراً لديون لا فكاك منها.
من المؤكد أن الوصفة التي سوف يطرحها وفد الصندوق تتكون من 38 مطلباً.. كلها مطالب تعجيزية وأبرزها رفع أسعار المياه وإعادة آليات رفع أسعار الكهرباء و«إعادة النظر» في الضرائب والرسوم عامة.
ويعتبر المحلل الاقتصادي أن مطالب الصندوق تنطوي على خطورة بالغة بتركيزها على النواحي الجبائية، أي المزيد من الضرائب من أجل معالجة العجز المستديم في الميزانية العامة دون النظر إلى مسألة النمو الاقتصادي وتحفيزه.
الهدف واضح.. وفقاً لرؤية الصندوق، فالمطلوب هو فرض إملاءات تقشفية مستديمة لكي تكون الحكومة الأردنية على الدوام في موقف يمكنها من مواصلة ما يطلق عليه الصندوق «خدمة الديون».. أي أقساط الديون الخارجية.
المعضلة العظمى هي أن ارتهان الأردن لخدمة الديون وضع لن يكون له نهاية. حجم المديونية الخارجية الأردنية وصل الآن إلى نحو 35 مليار دولار، وهذا المبلغ الأسطوري ليس سوى فوائد عن قروض سابقة جرى سدادها بالفعل منذ سنين.
معنى ذلك أن الأردن سوف يبقى أسيراً لهذه المديونية إلى الأبد، لكن الأردن ليس الدولة الوحيدة المرتهنة لهذا الوضع البشع سواء على مستوى العالم العربي أو مستوى العالم الثالث بشكل عام، ذلك أن مصر والسودان مثلاً تعانيان نفس المعضلة، حيث تبلغ مديونية كل منهما- كالأردن- نحو 35 مليار دولار.
جدير بالذكر أن هذا المبلغ يزيد ولا ينقص.
إدارة صندوق النقد ليست سوى واجهة لعدد من المؤسسات المالية الغربية التي تمثل الدائنين الحقيقيين، وإذن يبقى هناك سؤال: لماذا لا تشكل الدول المدينة لنفسها جبهة موحدة في مواجهة جبهة الدائنين؟
كاتب سوداني
copy short url   نسخ
27/06/2016
2115