+ A
A -
د. محمد بن عبدالعزيز الخليفي
عميد كلية القانون
أعلنت منظمة التجارة العالمية في بيان لها في 22 نوفمبر من هذا العام أن «جهاز تسوية المنازعات في المنظمة وافق على إنشاء فريق تسوية PANEL للنظر في شكوى قطر بشأن الإجراءات التعسفية التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقيد تجارة السلع والخدمات مع دولة قطر وحماية حقوق الملكية الفكرية القطرية».
وكانت دولة قطر قد طلبت في 31 يوليو الماضي، بدء مشاورات مع دولة الإمارات لتسوية «التدابير المتخذة في إطار المحاولات القسرية لعزل قطر اقتصادياً».. كما طلبت أيضاً بدء مشاورات منفصلة حول هذا الموضوع مع المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين.
وفي العاشر من أغسطس، أبلغت منظمة التجارة العالمية قطر أن الإمارات رفضت إجراء مشاورات لبحث النزاع وسبل تسويته، وأفادت المنظمة أن قطر طلبت آنذاك من جهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية تشكيل فريق خاص لبحث النزاع.. وكانت دول الحصار قد زعمت أمام المنظمة أن ما قامت به من إجراءات ضد دولة قطر تتفق مع الأنظمة الدولية التي يتيحها قانونا المجال للدول الأعضاء للتحرك ضد أي دولة تمس أمنها واستقرارها، وهو حق سيادي– من وجهة نظرها- يتماشى مع المادة 21 من اتفاق الجات، والمادة 73 من اتفاق حماية حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة «تريبس»، وكذلك المادة 14 من اتفاق التجارة في الخدمات «جاتس».
ولإلقاء الضوء على هذه المسائل نوضح ما يلي:
1 - حرصت دولة قطر على تحريك آليات التسوية وفق وثيقة تسوية منازعات التجارة الدولية في إطار منظمة التجارة العالمية، حيث تقدمت بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية، فور نشوب النزاع، على أساس أن ما اتخذته الدول الخليجية الثلاث (الإمارات– السعودية– البحرين) يعتبر بمثابة تقييد تجارة السلع والخدمات من قطر وحقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة.
2- تضمن الملحق الثاني لاتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية وثيقة تفاهم بشأن القواعد والجراءات التي
تحكم تسوية النزاعات التجارية.. يرتكز نظام التسوية الذي وضعته هذه الوثيقة على وجود جهاز لتسوية المنازعات مهمته الأساسية إدارة آليات تسوية النزاعات وتفعيلها.. ويتألف هذا الجهاز من ممثلين لكافة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، ويقوم بإدارة القواعد والإجراءات، وكذلك المشاورات وأحكام تسوية النزاعات الواردة في الاتفاقات ذات الصلة، وذلك ما لم يكن هناك نص مغاير في أي من هذه الاتفاقات.. ويتمتع جهاز تسوية المنازعات بسلطة إنشاء فرق التسوية الخاصة PANELS، واعتماد تقارير جهاز الاستئناف، ومراقبة تنفيذ القرارات والتوصيات، والترخيص بتعليق التنازلات وغيرها من الالتزامات الناتجة عن الاتفاقات المشار إليها.. ومن المبادئ التي يبنى عليها نظام تسوية المنازعات التأكيد على العمل وفق مبادئ تسوية النزاعات استناد إلى اتفاق الجات 1947، والقواعد والإجراءات الموضحة والمعدلة في وثيقة التفاهم والعمل على الوصول إلى تسوية مرضية.
وتتمثل مهام فرق التسوية الخاصة في مساعدة جهاز تسوية النزاعات في الوفاء بمسؤولياته.. وعلى فريق التسوية أن يضع تقييماً للموضوع المطروح على الفريق بشكل موضوعي، بما يساعد الجهاز على تقديم التوصيات أو إنزال الأحكام المقررة في الاتفاقات ذات الصلة.. وعلى فرق التسوية أن تتشاور، بانتظام، مع طرفي النزاع، وأن تتيح لهما الفرص المناسبة للتوصل إلى حل يرضي كليهما.. ويتم اعتماد تقارير فرق التسوية الخاصة
من جهاز تسوية المنازعات في إطار منظمة التجارة العالمية.. ويمكن للأطراف استئناف التقرير أمام جهاز
الاستئناف.. ويقتصر الاستئناف على المسائل القانونية الواردة في تقرير فريق التسوية، وعلى التفسيرات القانونية التي توصل إليها هذا الفريق.
وتعتمد تقارير جهاز الاستئناف من جهاز تسوية النزاعات، وتقبلها أطراف النزاع دون شروط ما لم يقرر هذا الجهاز بتوافق الآراء عدم اعتماد التقرير.. ولا تخل إجراءات الاعتماد بحق الأعضاء في الاتفاق ذا الصلة في التعبير عن آرائها حول أي تقرير لجهاز الاستئناف.. وفي حال عدم الامتثال لتوصيات وقرارات فريق التسوية الخاص أو جهاز الاستئناف، يمكن للدولة المتضررة أن تتفاوض مع الدولة المسؤولة حول التعويضات التجارية المقبولة من الطرفين.. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في الفترة الزمنية المعقولة المحددة، جاز لأي طرف أن يطلب جهاز تسوية النزاعات الترخيص له بتعليق تطبيق التنازلات أو غيرها من الالتزامات التجارية بالنسبة لطرف النزاع الموجه إليه التوصيات أو القرارات بموجب الاتفاقيات ذات الصلة، وذلك كتدبير مضاد.
3 - تقرر المادة 21 من اتفاق الجات تحت عنوان: «استثناءات الأمن» وتقابلها المادة 73 من اتفاق حماية حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة: إنه لا يوجد في أحكام الاتفاق ما يمكن تفسيره بأنه يلزم أياً من الدول الأعضاء
بتقديم معلومات يعتبر الإفصاح عنها منافياً لمصالحه الأمنية الأساسية أو يمنع أياً من البلدان الأعضاء من اتخاذ إجراءات يعتبرها ضرورية لحماية مصالحه تلك فيما يتعلق بالمواد القابلة للانشطار أو المواد التي تشتق منها، وفيما يتعلق بتجارة الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية والتجارة في سلع ومواد أخرى تتم التجارة فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لتزويد المؤسسات العسكرية باحتياجاتها.. أو اتخذت في أوقات الحروب أو الطوارئ الأخرى في العلاقات الدولية، أو يمنع أياً من الدول الأعضاء من اتخاذ أي إجراء في سياق القيام بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين، شريطة ألا تنطوي تلك الإجراءات على تمييز بين الدول لا مبرر له أو تعسفي المادة 14 من اتفاق الجات).
وتقرر المادة 14 من اتفاق التجارة في الخدمات (جاتس) أن التدابير المقررة في الاتفاق لا تطبق بطريقة تشكل تمييزاً تعسفياً أو لا مبرر له بين الدول وليس في هذا الاتفاق ما يمكن تأويله لمنع اتخاذ تدابير لازمة لحماية الآداب العامة أو النظام العام أو لحماية الحياة أو الصحة البشرية أو الحيوانية أو النباتية، أو لضمان الامتثال لقوانين أو لوائح لا تتعارض مع أحكام هذا الاتفاق، بما في ذلك تلك المتعلقة بمنع الممارسات الاحتيالية المضللة، أو ضمان تنفيذ عقود الخدمات أو لحماية خصوصية الأفراد، فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية ونشرها وحماية سرية السجلات والحسابات الفردية.
والواضح من الأحكام السابقة أن الاستثناء الوحيد المتعلق بموضوع الحصار، والذي تعمد دولة الأمارات ودول الحصار الأخرى إلى استخدامه للرد على مطالبات دولة قطر ولتبرير ما اتخذته تلك الدول من تدابير قسرية ضد قطر، هو الاستثناء المتعلق بالمصالح الأمنية الأساسية. وبغض النظر عن كون الاستناد إلى هذا الاستثناء يمثل سابقة خطيرة في عمل منظمة التجارة العالمية يقوض من جهودها نحو تسوية منازعات التجارة الدولية ويهدد بإضعاف دورها في تنظيم وتسيير التجارة الدولية، فإن الدفع بالمصالح الأمنية الأساسية
أورده اتفاق الجات وغيره من اتفاقات تحرير التجارة العالمية كاستثناء يفسر في أضيق الحدود ولا يقبل التوسع فيه أو القياس عليه، هذا بالإضافة إلى عدم وجود معيار موضوعي واحد يقاس على أساسه ما يعد من المصالح الأمنية الأساسية وما لا يعد، ويختلف مفهومها ومداها باختلاف الزمان والمكان والظروف المحيطة، ولم تتضمن اتفاقات منظمة التجارة العلمية تعريفا لها وبالتالي لا يمكن أن يترك للتقرير المنفرد للدولة المتمسكة بذلك الدفع، وإنما يخضع في قبوله من عدمه وتقرير توافره أو لا، لتقدير جهة التسوية للنزاع في إطار عمل جهاز تسوية المنازعات لمنظمة التجارة العالمية، وبالتالي لا يترك التقرير فيه للدولة صاحبة الشأن، خاصة إذا كانت هذه الدولة بتصرفاتها المخالفة لالتزاماتها التجارية في إطار المنظمة هي التي خلقت أو تسببت في وجود الظروف التي أدت إلى إثارة الأزمة أو النزاع، وهو ما فعلته دولة الإمارات وغيرها من دول الحصار على دولة قطر.
إذ إن هذه الدول بتصرفها التعسفي وفرضها للحصار منذ الخامس من يونيو الماضي على دولة قطر بما نجم عنه من تداعيات خطيرة تنطوي وبوضوح على انتهاك لالتزاماتها التجارية وفق قواعد المنظمة، علم بأنها هي التي خلقت الوضع المتأزم والنزاع المرتبط بتداعيات الحصار، ولا يمكن للمخطئ أن يستفيد من خطئه.
ومن جهة أخرى، فإنه وفقاً لقواعد التفسير القانوني يتضح أن مفهوم المصالح الأمنية الأساسية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الاستراتيجية العسكرية أو ما يتصل بإجراءات حفظ السلم والأمن الدوليين وفق ميثاق الأمم المتحدة، وهي كلها معطيات تؤخذ في الاعتبار عند تقرير التعلق بالمصالح الأمنية الأساسية أم لا، وهي أمور لا محل للتمسك بها لتبرير تدابير وإجراءات الحصار على دولة قطر.. كما لا محل لإثارة تعلق إجراءات الحصار بالمصالح الحيوية المتصلة بالنظام والآداب العامة لعدم توافر ما يبرر هذا الطرح في ظروف الحصار وتداعياته.
copy short url   نسخ
26/11/2017
1676