+ A
A -
يفتك وباء الكوليرا القاتل بمئات الآلاف من أهل اليمن، وتقول التقارير إن عدد المصابين بهذا المرض الفتاك يقترب من المليون مصاب، فيما تنهمر على رؤوس اليمنيين قذائف وصواريخ «التحالف العربي»، الذي تقوده الرياض، والذي فرض عليهم حصارا جويا وبحريا وبريا، ليس كنوع من الحجر الصحي بسبب الكوليرا، بل كنوع من العقاب الجماعي لكل اليمن، تحت ذريعة تقليم أظافر إيران، وليس لئلا ينتشر وباء الكوليرا خارج اليمن، بل تحت مخاوف من «تهريب الأسلحة وقطع الصواريخ الإيرانية التي يعيد تجميعها الحوثيون».
في جانب من هذا الولع الشديد باليمن تتقاطع الحالة مع قصة الحب العنيف المسيطر، الذي وصل بالمحب إلى براغماتية متطرفة للاستئثار بحبيبته أطول وقت ممكن، والتي أبدع الروائي الكولومبي الراحل غابرييل دي ماركيز في سرده لقصة هذا الحب في روايته الشهيرة «الحب في زمن الكوليرا»، والتي تصف الظروف السياسية والمعيشية والحروب الأهلية في منطقة الكاريبي حيث موطن أحداث الرواية.
فقد أحب المراهق فلورنتينو اريثا - بطل الرواية- الفتاة الجميلة فيرمينا دازا، التي تزوجت من سواه ولكنه ظل يحبها طوال خمسين عاما كدح طوالها ليثبت لها أنه صار غنيا وقادرا وجديرا بها. ولما مات زوجها استأنف - وهما عجوزان- محاولاته معها بلا فائدة، إلا انها قبلت بتشجيع من ابنها الشاب ان تكون صديقته.
تمكن فلورنتينو من دعوة حبيبته التي صارت عجوزا في السبعين إلى سفينته النهرية، وهناك رفع على ساريتها العلم الأصفر الذي يعني آنذاك – أن وباء الكوليرا ينتشر في السفينة، وتنتهي الرواية والسفينة تعبر النهر ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر دون أن ترسو إلا للتزود بالوقود، وليس عليها سوى الحبيبين العجوزين.
في اليمن ملايين من الناس وفيها ملايين من قصص الحب التي لا تجد ماركيز يحكيها، وفي اليمن أيضا حروب تفتك بالناس وتهدم بيوتهم وتقتلهم، وفيها جوع يهدد الملايين وحزمة من الأمراض والفقر، وفيها كوليرا ليست كخدعة ماركيو، ولكن كوليرا حقيقية تقتل أطفال اليمن.
إن الإصرار على فكرة سيئة وتحويلها إلى إنجاز يبدو شبه مستحيل، والتجمد عندها، يعني أن تحرم نفسك وحياتك ومستقبلك من فرص أخرى وأفكار أخرى ومشاريع أخرى.
لقد ظلت اليمن «عقدة» سعودية ومن حق السعوديين أن يؤمنوا حدهم الجنوبي، ولكن تاريخ العلاقة بين اليمن والسعودية خلال العقود الماضية يحمل نفس العقدة بمكوناتها المؤسسة على الخشية من الجار الجنوبي ذي الكثافة البشرية، ما يؤكد ان هنالك خللا في رؤية الجانب الشمالي وفكرا ثابتا لم يتغير تجاه اليمن، يتجمد عند مربع الخشية والتوجس.
إن مئات المليارات التي بددت، ومئات المليارات التي تأمل القيادة السعودية بأن تستردها من عشرات المعتقلين المتهمين بالفساد، كانت تكفي لتحويل اليمن واليمنيين إلى دولة وشعب شقيق صديق ينعم بمستويات أفضل كثيرا مما هو عليها الآن، ولكن النهج الذي اتسمت به تلك العلاقة بين الرياض وصنعاء كانت تقوم على شراء الولاءات، وبث الفرقة بين قبائل اليمن، وبين شماله وجنوبه وكان الدور السعودي في حرب الوحدة اليمنية دورا يسعى لتكريس فصل الشمال عن الجنوب، وبعبارة أخرى الإبقاء على اليمن ممزقا يأكل بعضه بعضا.. ليظل ضعيفا منهكا، وفي ذلك يتم تحييد خطر الجار الجنوبي.
النتيجة
..والنتيجة بعد ذلك كله أن الصاروخ الباليستي وصل الرياض وأن مزيدا من المليارات أهدرت في حرب مضى عليها نحو ثلاث سنوات وهي مرشحة للمزيد- وللمجهول كما هي المنطقة برمتها – أي منطقة شبه الجزيرة العربية المكونة من اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الدول الخليجية الست بما فيها الشقيقة الكبرى التي تقود الحصار على قطر العضو المؤسس في المجلس.
والمشكلة الإقليمية الآن تزداد احتقانا، فليس هنالك ضوء في آخر النفق اليمني، بينما تدخل الأزمة نفقا آخر، في لبنان حاليا، حيث تتلبد الهواجس من دخول لبنان فعليا في نفق حرب أهلية يتحاشاها الجميع، لكن عقدة اليمن الحوثي تعشعش داخل القرار السعودي تحت اسم عقدة حزب الله، وما أكثر العقد السياسية في المنطقة العربية، التي يمكن فعلا حلها الواحدة بعد الأخرى، عندما يعتدل مؤشر بوصلتنا ليؤشر إلى العدو الوجودي الحقيقي الوحيد الجاثم على أرض فلسطين.
copy short url   نسخ
26/11/2017
1254