+ A
A -
«لو أن كل الذين يكتبون سيرهم الذاتية يجرؤون على تدوين الأشياء التي سببت لهم أشد البؤس في حياتهم،فسيكون ذلك نعمة أعظم بكثير من التبريرات اللذيذة التي تزدحم بها تلك النوعية من الاعمال». هذا ما قاله الاديب والمحاضرالإنجليزي «جون كوبر بويس» والذي كان لطيفا ومؤدبا حين وصف الحوادث البطولية المزيفة والكذب الصارخ التي تجده في معظم كتب السًير التي تمتلئ بها المكتبات الآن «بالتبريرات اللذيذة» ولا بد انها مصادفة غريبة أن ثلاث شخصيات عربية «نسائية «تحديدا ،نشرن في مذكراتهن التي تفوقت على مذكرات تشرشل في عدد الصفحات، ان «عرافات وعرافين» تنبئوا لهن بالمجد والشهرة ،ناهيك عما تحتويه سيرهن من دجل وتخاريف وتناقضات لم تعد مقبولة في عصر التاريخ الحديث الموثق بالصوت والصورة» الانترنت « أعود ل»كوبر»والذي كتب سيرته الذاتية في ستمائة وخمسين صفحة بعد ان بلغ الستين من عمره، وكان صريحا وصادقا لأبعد حد، تحدث عن عثرات الحظ التي صادفته باسلوب فكاهي،وتكلم عن نفسه بأشد التعبيرات أنتقاصاَ،لقب نفسه بالأحمق،والمهرج،والضعيف،والجبان،والمنحل،وحتى بالكائن الأدنى من الإنسان، دون أن يدمر مكانته بإقل قدر،وكتابه مملوء بحكمة الحياة،كشَف عنها ليس عبر الحوادث الكبرى بل الصغيرة منها،احتوت سيرته الذاتية على ثروة وافرة من الاشياء التافهة «الشديدة الفائدة» حسب وصف الكاتب الأميركي «هنري ميلر» وفي احد فقرات الكتاب يقول «كوبر»:-يمكن تقسيم حياتي كلها إلى نصفين،الأول يمتد حتى سن الأربعين،والثاني يمتد بعد سن الأربعين،وخلال القسم الأول كافحت بيأس لأستنهض مشاعري وأرتبها وفقا لما أفضل من الكتب،ولكن خلال القسم الثاني كافحت لأكتشف حقيقة مشاعري وأحُسنها،وأوازن بينها وأجعلها متجانسة،وفقا لمنهجي أنا ولا أحد غيري،ما الذي نفقده جميعا مع تقدمنا في السن؟ إنه شيء في الحياة ذاتها،نعم،إنه داخل الحياة،ولكنه أعمق بكثير-كلا- ليس بالضبط أعمق،أعني انه من مادة أشد نفاسة مما نفكر فيه كـ «حياة» والآن أميل َ إلى الاعتقاد أني وبدرجة استثنائية احتفظت حتى سن الستين بموقف اوائل فترة شبابي ،ولهذا استسلمت لإغراء التمسك بالرأي القائل إنه كلما أستغليت سماتك الطفولية بعناد وتمسكت بموقفك من هذه الطفولة تكون حياتك الناضجة أكثر حكمة».
copy short url   نسخ
26/11/2017
1190