+ A
A -
كتب – محمد حمدان
قال سعادة عبدالله بن حمد العطية، رئيس مؤسسة عبدالله بن حمد العطيّة الدولية للطاقة والتنمية المستدامة، إن دول الحصار لديها حزمة أزمات اقتصادية وارتأت أن أنسب وسيلة لحل أزماتها يتمثل في افتعال مخطط مشبوه لحصار قطر مشيراً إلى أن دول الحصار كانت تخطط لتحرك عسكري في غضون المهلة التي حددتها بعشرة أيام حال عدم قبول دولة قطر بالبنود 13 التي تم الإعلان عنها.
وأضاف العطية خلال محاضرة «مرونة النمو القطري وتكيفه مع الظروف - الحصار الاقتصادي نعمة مستترة» التي استضافتها جامعة جورجتاون قطر بالتعاون مع نادي الليوان الطلابي الخميس الماضي أن مخططات دول الحصار للإضرار بالاقتصاد الوطني عبر افتراءات وادعاءات وأكاذيب ومحاولات ضرب الريال القطري فشلت فشلاً ذريعاً حتى أن الاقتصاد الوطني يواصل مسار النمو وبوتيرة متسارعة رغم الحصار.

وتابع قائلاً: «اقتصادنا الوطني أفضل من اقتصاد دول الحصار ونمونا الاقتصادي أفضل من نموهم.. لا تصدقوا الإشاعات»، موضحاً أن قطر الآن باتت أقوى من أي وقت مضى، وتكتسب أصدقاء جددا حول العالم، بعد أن أثبتت مصداقيتها وقوتها الاقتصادية، واحترامها للقوانين الدولية حيث لم تعامل دول الحصار بالمثل رغم قدرتها على ذلك ففي الوقت الذي قامت فيه دول الحصار بحجز البضائع القطرية بموانئها والتضييق ووضع اليد على ممتلكات القطريين واستثماراتهم بها.. استمرت قطر في إمداد الإمارات بالغاز ولم تقيد شركات دول الحصار العاملة في قطر.
وقال إن دول الحصار تفتقد للأخلاق والسلوك القويم ويظهر ذلك جليا في الأسلوب الذي أتبع في الحصار وما ترتب عليه من إغلاق بري وبحري وجوي لكافة المنافذ مع دول الحصار وطرد الطلاب وتفكيك شمل العوائل.. الأمر تجاوز انعدام الأخلاق «إنهم مرضى نفسيون»
وأكد أن دول الحصار تتناقض في تصرفاتها كما تتسم أساليبها بالنفاق، مشيراً إلى أن الإمارات مستمرة باستيراد الغاز القطري ودفع مئات الملايين من الدولارات للحكومة القطرية التي يتهمونها بتمويل الإرهاب حتى أن الغاز القطري يوفر نحو 30 % من احتياجات الإمارات مضيفاً «يتهموننا بالإرهاب.. ومستمرون في استيراد الغاز منا.. لماذا لم يتوقفوا عن استيراد الغاز..هذا دليل صارخ على تناقضهم وافتراءاتهم وادعاءاتهم».
وأوضح أن دول الحصار تسعى إلى تفكيك مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أنهم بعد فبركة واختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) لم يعتذروا واستمروا في ضرب الحائط بكل المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بدول المجلس، كما أن ما اتخذوه من إجراءات أثرت على العلاقات الاجتماعية بين شعوب دول التعاون على الرغم من الروابط القبلية والعائلية منذ آلاف السنين التي تجمع شعوب الخليج، مؤكداً تجاوز دولة قطر للصدمة الأولية وتجاوزها تداعيات الحصار الذي خلف أيضا دروساً كبرى على جميع الأصعدة.
وتابع قائلاً: «لم نعد اليوم كالسابق فقد تعملنا الدرس جيداً.. ولن نثق مجدداً بالدول التي حاصرتنا وحاولت أن تضر باقتصادنا وعاملتنا بكافة الطرق غير المشروعة من خلال المؤامرات» مشيراً إلى أن دولة قطر في السابق كانت تراعي مصالح دول الخليج والتكامل الخليجي في الصناعات الغذائية والدوائية إلا أنه بعد الحصار اتجهت لتوسيع وتوطين الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج المحلي من كافة السلع والخدمات، كما اتجهت نحو الانفتاح على أسواق جديدة ومتنوعة وبناء شراكات جديدة، فضلاً عن تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار وتصنيع الغذاء والدواء، علاوة على افتتاح ميناء حمد والتوسعات في مطار حمد الدولي وتسريع وتيرة التنمية المحلية في كافة المشروعات بالدولة.
وأوضح العطية أن دول الحصار كانت تخطط ولديها الرغبة في غزو قطر والسيطرة على الغاز غير أنها كانت تنتظر الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا سيما بعد توقيع اتفاقيات وصفقات بمئات المليارات من الدولارات لكن المشهد خالف توقعاتهم بعدما فشلت مخططاتهم الدنيئة حيث إن دول الحصار لم تراع أن الولايات المتحدة الأميركية دولة ذات مؤسسات ونظام وليست دولة تخضع لحكم الفرد كما هو الحال في دولهم، مما أصابهم بخيبة أمل كبيرة بعد فشلهم في تنفيذ مخططهم وأهدافهم من الحصار.
التنوع الاقتصادي
قال إن دولة قطر تعمل حاليا على استدامة مواردها الطبيعية، وبناء دولة تعتمد على اقتصاد متنوع الدخل ولا يعتمد فقط على إيرادات الغاز والنفط رغم أن احتياطيات الغاز تكفي قطر لأكثر من 100 عام مقبلة.. متابعا: «ولكن هذا لا يجعلنا نتراخى في البحث عن بدائل مستدامة مع تعزيز جهود التنويع الاقتصادي، فأكثر من 100 عام ليست بالفترة الكبيرة بالنسبة للأجيال المقبلة، وعلينا أن نستفيد من الأرباح التي نحققها حاليا من تصدير الغاز الطبيعي المسال لتأسيس تنمية حقيقية للاقتصاد القطري».
وأضاف أن الاقتصاد القطري يتميز بمرونة كبيرة ساهمت في تجاوزه أزمة الحصار الجائر، وهذا يرجع لسنوات طويلة عملنا فيها على تقوية الاقتصاد مدفوعا بصناعة النفط والغاز بحيث نؤسس لصناعات أخرى ومجالات تعزز من قوة الاقتصاد القطري.
وأشار إلى أن قطر قامت بالاستثمار الجيد في التكنولوجيا والأبحاث وبناء الجامعات لتحقيق ثروة معرفية تعزز من بناء أجيال قطرية مثقفة وواعية، وذلك لكي نبني بلدا مدنيا متحضرا قائما على العلوم والتكنولوجيا ويتطور إلى الأفضل بين أمم الأرض.
تقلبات النفط
ولفت سعادة عبدالله بن حمد العطية إلى أنه قضى نحو 40 عاما من حياته يعمل في مجال النفط كمتابع ومسؤول عن ملفات متعلقة بمنظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» الأمر الذي مكنه من معرفة كيفية صناعة القرار والتحكم في الإنتاج والأسعار بمنظمة الأوبك، مضيفاً: كنت أتابع أهم الأحداث في سوق الطاقة والنفط العالمي من موقعي في المقاعد الخلفية، ثم عندما توليتُ وزارة الطاقة والصناعة لمدة تصل إلى عشرين عاما اكتسبت خبرات هائلة، مما مكنني من اتخاذ قرارات جريئة ساهمت في تبوؤ دولة قطر مكانة متميزة في سوق الطاقة العالمي وخاصة صناعة الغاز الطبيعي المسال، حيث إنه عاصر انخفاض أسعار النفط وارتفاعها مرة أخرى حتى وصلت إلى 120 دولارا للبرميل، ثم معاودتها الانخفاض مجددا للمستويات الحالية غير أنه قال «إن التقلبات هذه تمثل دورة سعرية طبيعية.. النفط قد يمرض لكن لن يموت».
وقال إنه تم تنفيذ كثير من المشاريع الاستثمارية الضخمة في قطاع النفط والغاز في قطر والمشاريع الرئيسية الأخرى في ظل ارتفاع أسعار النفط مما حقق مزايا وعوائد كثيرة حاليا في ظل انخفاض الأسعار، مشدداً على ضرورة تعزيز الاحتياطيات النفطية بإيرادات النفط وتعلم درس السبعينيات المتمثل في الإسراف في إنفاق إيرادات النفط على أساس أن الأسعار ستدوم مرتفعة للأبد.
منظمة أوبك
وأكد أن دور منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لايزال قويا خاصة مع انضمام دول من خارجها إلى الاتفاق الأخير بخفض الإنتاج الذي عمل على تخفيض تخمة المعروض من النفط، مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط فوق مستوى 60 دولارا للبرميل، مشيراً إلى أن الحصة السوقية لدول أوبك تبلغ 30 % من الإمدادات النفطية العالمية بعد أن كانت تتحكم في السابق في نحو 65 % من السوق، لافتا إلى أن التوجه الحالي هو تمديد قرار تخفيض الإنتاج من قبل المنتجين.
وأكد أنه في عام 1997 اكتشفت شركة شل أكبر حقل للغاز في العالم موجود في قطر، ولكن في ذلك الوقت كان هذا الاكتشاف بمثابة صدمة، لأن التجارة العالمية كانت مهتمة أكثر بالنفط وليس الغاز، ولم يكن الغاز معروفا حينئذ كمصدر للطاقة بالشكل المتعارف عليه حاليا، وبالتالي لم يكن لهذا الاكتشاف قيمة كبرى، ما أدى إلى انسحاب شل من هذا الحقل وقال المسؤولون فيها: لسنا مهتمين باستخراج هذا الغاز، وفي ذلك الوقت كانت اليابان وكوريا الجنوبية يستخدمان الغاز كمصدر للطاقة ويحصلان عليه من إندونيسيا ولم يكن مهتمين باستيراده من أماكن أخرى، كما أن سعر الغاز الطبيعي في ذلك الوقت لم يكن تنافسيا وكان نقله مكلفا، ولكن قطر قامت بعقد كثير من الاجتماعات على مدار الساعة حول كيفية إقناع العملاء وخاصة اليابان باستيراد الغاز القطري، وتم إنشاء شركة قطر غاز، ومن ثم كانت اليابان أول مستورد للغاز الطبيعي القطري في العالم، وذلك بعد مفاوضات شاقة، مشيراً إلى أن ما يميز الجانب الياباني أنه يلتزم بما يتم الاتفاق عليه، ثم تم التعاقد مع الهند بعد اليابان وتوالت الدول التي نصدر لها الغاز القطري ليصل إلى أميركا وآسيا والدول الأوروبية. لافتاً إلى أنه سوف أكتب كتابا عن كيفية التفاوض.
وأوضح أنه في عام 1988 بدأت قطر للبترول في إنشاء ميناء لتصدير المنتجات النفطية والغاز الطبيعي في مسيعيد، ونصحنا الخبراء ببناء محطة للغاز الطبيعي تستوعب 6 ملايين طن، وكان سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وليا للعهد في ذلك الوقت وطلب أن نبني محطة قابلة للتوسع المستقبلي، وبالفعل كانت رؤيته صائبة حيث توسعنا بعد ذلك في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي.
ارتفاع الإنتاج
وأشار إلى أن إنتاج قطر حاليا من الغاز الطبيعي وصل إلى 77 مليون طن وسوف يرتفع إلى 100 مليون طن سنوياً، كما أصبح ميناء راس لفان أكبر ميناء للغاز المسال في العالم.
وفي سياق التوسع في إنتاج الغاز المسال.. أشار العطية إلى أنه تم التعاون مع شركة اكسون موبيل لبناء محطة ضخمة لغاز الميثان تُعرف بالممر الذهبي (GOLDEN PASS)، وذلك على ساحل تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، وتستوعب من 15– 20 مليون طن، ولكن بعد الانتهاء منها ظهر النفط الصخري وأصبحت أميركا ليست في حاجة للغاز القطري، مما دفع قطر للتفكير مع اكسون موبيل في كيفية حل هذه المعضلة، وبعد مشاورات مع الحكومة الأميركية تم تحويل هذه المحطة من محطة للاستيراد إلى محطة لتصدير الغاز الأميركي إلى دول أميركا اللاتينية وأوروبا حتى العام 2023.
وقال سعادته إن قطر تنمو سريعا، فهي اليوم أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، ولا يمكن لأحد أن ينافسها في الإنتاج أو الأسعار، كما أطلقت قطر أكبر شركة لنقل الغاز المسال في العالم وهي شركة «ناقلات»، بالتزامن مع تصنيع نوعين من سفن نقل الغاز هما الأكبر في العالم إذ تحمل كل واحدة منهما نحو 250 ألف متر مكعب. لافتا إلى أن قطر لديها خطط طموح لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى الاقتصادي، منها تنويع مصادر الدخل بالإضافة إلى خطط تنمية الاحتياطات القطرية من الغاز.
النانو تكنولوجي
وأكد أن قطر تتجه حاليا إلى استخدام التكنولوجيات الحديثة مثل النانو تكنولوجي في التصنيع، كما أصبحت أكبر دولة منتجة ومصدرة لغاز الهيليوم على مستوى العالم وثاني مصدر له بعد الولايات المتحدة الأميركية، كما تم تحويل الغاز إلى سوائل من خلال إنشاء شركة «ساسول أوريكس جي تي ال»، وتم بناء أول محطة لتحويل الغاز القطري إلى الديزل في جنوب إفريقيا تنتج نحو 30 ألف طن بتكلفة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية مع شركة شل لإنشاء أكبر مصنع لتحويل الغاز إلى سوائل لإنتاج 200 ألف برميل يوميا، بتكلفة 18 مليار دولار، وكان هذا مخاطرة كبيرة ولكن قطر نجحت في استرداد هذه الاستثمارات خلال أربع سنوات فقط من بدء الإنتاج.
التنمية البشرية
قال: لقد كنا محظوظين عندما أنشأنا هذه المشاريع في ظل ارتفاع أسعار النفط، وهذا دفعنا إلى الاستثمار في الموارد البشرية التي هي أهم من النفط، ولذلك تم استقطاب الجامعات العالمية لفتح فروع لها في الدوحة، مؤكدا أن دولة قطر تعمل على الاستثمار في الموارد البشرية وبناء دولة حديثة تعتمد على التكنولوجيا والكوادر البشرية المؤهلة، مؤكداً أن الاستثمار في البشر هو الاستثمار في المستقبل، وأن التعليم الجيد يساعد الأجيال في المستقبل، مشدداً على أهمية الاستفادة من عوائد منتجات النفط والغاز للتأهيل والتدريب وبناء مجتمع المعرفة.
copy short url   نسخ
26/11/2017
2610