+ A
A -
الدوحة- قنا- شهدت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع افتتاح النسخة الثامنة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز 2017» والذي يأتي هذا العام تحت عنوان «بين التعايش والإبداع نتعلم كيف نحيا ونعمل معا» ويستمر يومين.
وقامت صاحبة السمو خلال الافتتاح الذي أقيم بمركز قطر الوطني للمؤتمرات بتسليم جائزة «وايز للتعليم 2017» وقيمتها 500 ألف دولار للدكتور باتريك أيوا من غانا لجهوده الكبيرة في مجال التعليم داخل بلاده.
حضرت الحفل سعادة السيدة أمينة أردوغان حرم فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبمشاركة ما يزيد على ألفي شخصية من أكثر من 100 دولة من السياسيين والأكاديميين وواضعي السياسات ورجال وسيدات الأعمال والطلاب.
وفي الكلمة الافتتاحية رحبت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر بالمشاركين قائلة «يجمعُنا وايز، اليوم كما في الأمسِ، باعتبارِه منصة عالمية لصناعة الأفكارِ وابتكارِ الحلول وتداول مختلف المستجدات في واقعِ التعليم. وإنه لمن بالغِ سروري أن أشارككم، من على هذا المنبر، مقاربة موضوعٍ لا ينفصل في جوهرِه عن التحديات التعليمية».
وأضافت سموها «ثمة إجماع فكري في العالم، أنتم جزء منه، على أن التعليم هو خزانة الحلول. وجل ما أخشاه أن تكون هذه الخزانة قد أفلست وأن رأسمال الحلول لم يعد قادراً على مواجهة التحديات الكونية إذا لم نسارع إلى معالجةِ الخلل. وكما تعلمون، تُعيدنا قضايا التعليمِ دائماً إلى اختبارِ كل ما حولنا من ظواهر وتغيرات بما في ذلك اختبار التعليمِ نفسه عند الضرورة.
وأوضحت سموها أن التعليم الذي يصنع التقدم يواجه، آجلاً أو عاجلاً، تحديات ما صنع على مستوياتٍ مختلفةٍ: سياسيةٍ وإعلاميةٍ وثقافيةٍ وتكنولوجية، وقد بلغت التحديات أشـدَها عندما بالغ الخطاب السياسي في مراوغاته وتماديه اللغوي وما يصدّرهُ الخطابُ الإعلامي من رؤيةٍ للأحداث بالنيابة عنا، وما نتج عن ثورة الإنترنت من خلق عالمٍ افتراضيٍ يتعامل مع الواقعِ بعلاقةٍ انتقائيةٍ تديم افتراضيته وتعرِض فكرة الحقيقة للمساءلة. مشيرة إلى أن ما يجرى تسويقه في بعض وسائل الإعلامِ من أوهامٍ منمطة في هيئة قصص واقعية وما يقدمهُ من صور شبيهة بالحقيقة وليست الحقيقة أدى إلى الإطاحة بمعاييرِ الخطاب الإعلامي.
ولفتت إلى أن ما تزدحم به وسائل التواصل الاجتماعي من نشاطات منظمة لترويجِ دعايات وإشاعات وأكاذيب يرادُ منها حَرفُ انتباه الناس عن معاينة الواقعِ أو ملامسة الحقيقة ومن ثم توجيههم نحو التعاطي مع ما يراد له أن يكون واقعاً وحقيقة». مضيفة «إنّه التلاعب بالعقول الذي تحدث عنه هربرت شيلر في مطلعِ سبعينيات القرن العشرين».
وأكدت سموها أنه بهذه المدخلات ستكون المخرجات حتماً حقائق مزيفة اختلِقت لتكون حقائق بديلة لنتقبلها في ما يُسمى «عالمُ ما بعد الحقيقة»، وفي هذا السياق سنشهد معاً بعد قليل ندوة تتناول «التعليم في عالمِ ما بعد الحقيقة»، وهو عالم «لا يتأثر فيه الرأي العام بالأحداث الموضوعية بمقدارِ ما يتأثر بالخطابات القائمة على الانفعال والعاطفة والتقييمات الشخصية»، إذ يعاد إنتاج الحقيقة لتأخذ شكلاً آخر مغايراً يناسب من يريدون إعادة تشكيل العالم وفقاً لمصالحهم ليقوم على الأخبارِ الزائفة والصورِ الزائفة والحقائق الزائفة وغطرسة الادعاء بتمثيل الحقيقة.
وعبرت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر عن اندهاشها من أنه بأدوات التضليل هذه تم حصار العراق لثلاثة عشر عاما واختلاق الذرائع لغزوه عام 2003 وسمي الغزو، ويا للغرابة، تحريرا! وبدلا من العثور على أسلحة الدمار الشامل المزعومة تعرض العراق لتدمير شامل.
فالعراق الذي كان يشار إلى نظامه التعليمي في عام 1990 بأنه من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة وكان على وشك القضاء الكلي على الأمية تراجعت به الحروب والحصار إلى ما آلت إليه الأوضاع من أحوال مؤسفة، مضيفة «أنه بالأدوات نفسها يحاصر اليمن اليوم لكي لا ينهض ولا يستقر ولكي يغرق في مثلث الفقر والمرض والأمية.
وأكدت أنه بالأدوات نفسها تحاصر قطر منذ الخامس من يونيو الماضي في وقت أراده البعض أن يكون صعبا علينا وما كانت صعوبته إلا عليهم.. وقد أرادوا أن نتغير ونغير نهجـنا وما تغيرنا وما غيرنا.
وأضافت صاحب السمو أن عالما مزدحما بالأخبار الزائفة لا يمنعنا نحن المدافعين عن التعليم، من أن نصطف إلى الجبهة التي تقف فيها الحقيقة مع إيماننا بأن الفكر القيمي للتعليم يكرس احترام الحقائق ويرجح الحقيقة على النزعة الشخصية في السياقات التربوية.
وشددت سموها «لكي نجعل التعليم متماسكا وحقيقيا وقويا في مواجهته لآليات التلاعب بالعقول يتعين علينا الدفع باتجاه إصلاحات شاملة للمنظومة التعليمية تشمل المناهج وطرائق التدريس بما يضمن البناء الذهني المتوازن للطلبة وتنمية العقل النقدي لديهم لمقاربة ومساءلة مختلف القضايا بعيدا عن تنميط التفكير، مع ضرورة تسليح الطلبة بمناعة ثقافية وإعلامية عبر تربية إعلامية ومعرفية ممنهجة تؤهلهم للتعاطي النقدي مع الخطاب الإعلامي والقدرة على فحص الخطاب السياسي وامتلاك النظرة الثاقبة للفرز بين الغث والسمين في محتوى الإنترنت».
وأوضحت أنه بذلك فقط نحصن الأجيال ضد مخاطر التلاعب بعقولهم وقلوبهم من قبل جهات وأشخاص مجهولين ومعلومين يعبثون بفضاء سيبراني بلا حدود.. وفي النهاية ننقذ العالم من الانزلاق الكلي إلى متاهة ما بعد الحقيقة.
وتابعت سموها «لسنا كعرب بصدد تبرئة أنفسنا عندما تحولنا من صانعي حضارة ومنتجين للعلم والفلسفة والفكر قبل أكثر من ألف عام إلى مستهلكين لما ينتجه الآخرون. وقد تخلينا عن دورنا في الإبداع الإنساني بشكل مؤثر وتخلفنا عن الإسهام في الحداثة واكتفينا بمحاولات تحديث لا تصنع مستقبلا». وختمت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر كلمتها بالقول «ونحن نستلهم من موضوعات وايز لهذا العام فكرة التعايش التي تطرح في جوهرها حلا لتحديات مختلفة، من أبرزها قضايا الأمن والسلام والاستقرار والتنمية، فلنعد إلى التعليم لتكريس هذه الحقيقة».
copy short url   نسخ
16/11/2017
1884