+ A
A -
إعداد- محمد حربي




اليوم فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدوحة، ليس ضيفا، بل في وطنه الثاني، مرحبا به.. لا يختلف اثنان على خصوصية العلاقات بين دولة قطر، وجمهورية تركيا، هي شريك موثوق فيه، مما يجعلها نموذجا فريدا، ومثالا يحتذى به في التعاون القوي بين الدول وبعضها البعض، حيث وحدة الرؤية المشتركة، حيال كافة القضايا في المنطقة، التي عززتها حكمة وحنكة القيادتين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وأخيه فخامة الرئيس أردوغان، الذي جمعتها أربع عشرة قمة، حتى الآن، اثنتان منها عام 2014، ثم أربع قمم في 2015، وخمس قمم في 2016، فيما عقدت القمم الثانية عشرة، والثالثة عشرة، خلال شهري فبراير، ويوليو على التوالي، أما القمة الرابعة عشرة، فكانت خلال شهر سبتمبر بأنقرة، كأول محطة خارجية لحضرة صاحب السمو، بعد الحصار الغادر.
وتتشاطر كل من تركيا وقطر نفس الرؤية إزاء قضايا الشرق الأوسط ودعمها للقضية الفلسطينية ومسار المقاومة، ومن جانب آخر فإن كلا البلدين يرفضان كل الثورات المضادة التي قامت عقب حركة الربيع العربي، مما يدلل على وجود شراكة مثالية بين البلدين ظهرت جلية خلال موقف قطر الداعم للشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطيا، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو عام 2016، وكان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى– حفظه الله-، أول من اتصل بفخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليلة محاولة الانقلاب، لتقديم الدعم القطري للجمهورية التركية، كما كان صاحب السمو الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني– حفظه الله-، أول مسؤول رفيع المستوى لدولة، يزور تركيا 5 أغسطس، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
الزيارة الأولى
«وقد شهد عام 2014 قمتين بين دولة قطر وجمهورية تركيا، إحداهما خلال زيارة فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للدوحة يومي 14 و15 سبتمبر من نفس العام، وكانت آنذاك الزيارة الأولى لدولة عربية منذ تسلمه رئاسة الجمهورية التركية، وبعدها بثلاثة أشهر تقريبا، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى– حفظه الله-، بزيارة لأنقرة، يوم 19 ديسمبر، جرى خلالها توقيع البلدين على مذكرة تفاهم بشأن تشكيل لجنة للتعاون الاستراتيجي رفيع المستوى لتعزيز العلاقات المشتركة. وشهد عام 2015، أربع قمم بين قيادتي البلدين، حيث زار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى– حفظه الله-، الجمهورية التركية ثلاث مرات، عقدت خلالها ثلاث قمم، إحداها بتاريخ 12 مارس، بالقصر الرئاسي في أنقرة، والثانية بتاريخ 13 يوليو، في قصر هوبر بإسطنبول، وبعدها بشهرين جاءت الزيارة الثالثة، التي كانت يوم 25 سبتمبر في قصر هوبر أيضا، وجرى خلالها بحث تطوير العلاقات الثنائية ومناقشة آخر مستجدات الوضع في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، لتستضيف الدوحة بعد ذلك أول اجتماعات للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، بحضور فخامة الرئيس أردوغان لدولة قطر يوم 1 ديسمبر من نفس العام.
وفي عام 2016، كانت هناك خمس قمم قطرية تركية، وكانت أولى تلك القمم بتاريخ 12 فبراير في قصر يلدز بإسطنبول، والثانية بتاريخ 19 يونيو في قصر هوبر بإسطنبول، والثالثة في نيويورك يوم 19 سبتمبر، التي جرى خلالها بحث تطوير العلاقات الثنائية ومناقشة آخر العلاقات الثنائية، والمستجدات الإقليمية، أما الرابعة كانت في قصر هوبر بمدينة إسطنبول يوم 23 أكتوبر، وخلالها بحث الزعيمان سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتطورات الأوضاع في المنطقة، ثم في 18 ديسمبر اجتمعت القيادتان في قمة طرابزون، التي عقد خلالها الاجتماع الثاني للجنة الاستراتيجية التركية القطرية العليا، جرى خلالها التوقيع على ثلاثين اتفاقية ومذكرة تفاهم تقريبا، لتعزيز العلاقات القطرية– التركية في مجالات شتى. كما شهد عام 2017، ثلاث قمم حتى الآن، اثنتين منها قام بهما فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للدوحة في شهري فبراير ويوليو، بينما الثالثة قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى– حفظه الله– إلى أنقرة في شهر سبتمبر الماضي، في أول محطات جولات سموه الخارجية، عقب الحصار الظالم.
الغث والسمين
ولأنه عند الشدائد يكون الفرز بين الغث والسمين، فقد كان قرار دول الحصار ضد دولة قطر، بريا وبحريا وجويا، دون إبداء أي أسباب واضحة، اللهم سوى سلب قطر سيادتها، والاستحواذ على قرارها المستقل، فرصة للكشف عن مواقف الرجال، حيث لم يتلون القرار التركي، ولم ينظر من ثقب انتهازية المصالح، أو الوقوف في المنطقة الرمادية، وتسمية الأمور بغير مسمياتها الحقيقية، لكنه كان حاسما على لسان قائده فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مطالبته برفع الحصار تماما، وليس مجرد تخفيفه، كما فعل البعض ممن أرادوا الإمساك بالعصا من المنتصف.
وترجم فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأقوال إلى أفعال، حينما سارع بالتصديق على قرار نشر قوات تركية في دولة قطر، معلنا على الملأ أن أنقرة ستواصل دعمها للقطريين، استاء من استاء، وانزعج من انزعج، وكان محامي الحق ضد افتراءات دول الحصار، واتهاماتها الباطلة لبعض المؤسسات القطرية، ومحاولات إلصاق تهمة الإرهاب بها زورا وبهتانا، قائلا وهو يسجل شهادته، إنه يعرف هذه الجمعيات جيدا، ولم يشهد يوما أنها تورطت من قبل في دعم أي تنظيم إرهابي.
وحتى يثبت الرئيس التركي حسن النوايا التركية، وعدم وجود أطماع لديها في المنطقة، وأن نشر قواتها ما هو إلا درع وقائية في مواجهة كل من تسول له نفسه، ضد دولة قطر، التي يربطها بالجمهورية التركية علاقات تعاون ومصالح مشتركة، فقد بادر أردوغان بحث، وتشجيع دول الحصار على أن يسلكوا طريق الحوار والمفاوضات لحل الأزمة بينها، وتبادل في سبيل ذلك الاتصالات الهاتفية مع قادة السعودية وروسيا والكويت وتبادل معهم سبل الحل المنطقي.
آفاق التعاون
ويعزز آفاق التعاون الواعدة بين قطر وتركيا، المسار التجاري الجديد، للربط القطري التركي، عبر إيران ينتج عنه تخفيض كبير في تكاليف نقل البضائع، ربما بنسبة 80 % مقارنة برسوم الشحن الجوي، الذي تتراوح تكلفته الحالية بين 1.2 إلى 1.5 دولار، في حين أن تكلفة النقل البري للكيلو جرام الواحد حوالي 0.15 دولار.
وتولي الجمهورية التركية الطريق البري الجديد اهتماما كبيرا للطريق الجديد، الذي يستغرق نحو 14 يوما، قبل أن يتم تقليصها إلى 9 أيام مؤخرا، ويبلغ الطموح مداه في تقليص المدة الزمنية بين قطر وتركيا إلى 5 أو 6 أيام، على الأكثر، وربما أصبحت يوما ما يومين أو ثلاثة، من مدينة ماردين التركية، عبر ميناء «بوشهر» الإيراني، الذي تبلغ المسافة بينهما نحو 1700 كيلو متر، في حين أن المسافة بين ميناء بوشهر الإيراني وميناء حمد في قطر، ليست كبيرة ويمكن للشاحنات التركية عبور المسافة بين الميناءين في 8 ساعات فقط وبهذا يمكن لشاحنة بضائع قادمة من تركيا الوصول إلى الدوحة في خلال يومين أو أقل عبر هذا الطريق، وهذا من شأنه أن يحقق فوائد كثيرة لا تقتصر فقط على خفض تكلفة النقل فحسب، وإنما ستتعدى ذلك إلى المواد المنقولة نظرا لطبيعتها، فالمواد الغذائية مثل الخضار والفواكه والدواجن ومنتجات الألبان ستكون طازجة أكثر وذات جودة أفضل، فضلا عن ذلك فإن هذا الطريق الجديد، لن يقتصر على رفع التبادل التجاري القطري التركي فقط، وإنما سوف يسمح لدول أخرى مثل روسيا وباكستان، بالاستفادة منه.
تعزيز التعاون
وتشير الإحصائيات إلى أن الحصار المفروض على دولة قطر حاليا، ساهم في تعزيز العلاقات، وتقوية التبادل التجاري القطري التركي في ظل توجه الاستثمارات القطرية نحو تركيا، والتي تزيد قيمتها على 20 مليار دولار، فيما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار، في ظل رهان الأتراك على رفع التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار مقابل 14 مليار دولار حاليا. وتسجل أرقام الصادرات والواردات، وبحسب بيانات مجلس المصدرين الأتراك، أن صادرات تركيا إلى قطر خلال يونيو الماضي ارتفعت بنسبة 51.5 % مقارنة مع الشهر السابق عليه، ليبلغ إجمالي قيمتها 53.5 مليون دولار، فيما يتوقع الاقتصاديون القطريون زيادة التعاون في مجال البناء والعقارات بين البلدين، ولا سيما في ظل انتعاش قطاع الإنشاءات القطري بسبب الاستعداد لاستضافة نهائيات كأس العالم في عام 2022، إذ تشير معطيات اتحاد المقاولين الأتراك، إلى أن الشركات التركية تولت إنجاز 128 مشروعا بقيمة 14.1 مليار دولار في قطر من عام 2000 إلى عام 2017.
10 اتفاقيات جديدة
وخلال انعقاد الدورة الثانية للجنة الاستراتيجية العليا القطرية– التركية، التي تستضيفها الدوحة غدا، سوف يتم التوقيع على 10 اتفاقيات جديدة، تضاف إلى 30 اتفاقية سابقة، شملت ما يلي:
أولا: في مجال السياسة والدبلوماسية: التي جرت فيها مباحثات شاملة تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، وأكدا أهمية تطويرها وتفعيلها بالإضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وتبادلا وجهات النظر بشأنها في ضوء المتغيرات الدولية، وعبرت اللجنة عن أهمية استمرار التشاور والتنسيق في هذا الشأن.
ثانياً: في مجال الأمن: حيث تم التوقيع على بروتوكول التعاون بين قوات الأمن الداخلي (لخويا) بدولة قطر وقوة الدرك الوطني بالجمهورية التركية، وبروتوكول التعاون في مجال التدريب والتعليم بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
ثالثاً: في مجال المالية: وفيها تم التوقيع على اتفاقية تعاون في مجال تطوير إدارة المالية العامة بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية، والاتفاق على مواصلة التفاوض بشأن اتفاقية الازدواج الضريبي ومنع التهرب المالي، والأخذ في الاعتبار المستجدات في هذا المجال.
رابعاً: في مجال التعليم: بالتوقيع على مذكرة تفاهم في مجال التعليم بين دولة قطر والجمهورية التركية، والاتفاق على دراسة المشاريع التالية:
- اتفاق التعاون في مجال التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي.
- مذكرة لإنشاء الجامعة المشتركة القطرية– التركية.
خامساً: في مجال الجامعات: اتفق الجانبان على مواصلة التشاور بشأن بروتوكول التعاون حول مشروع التكنولوجي بين جامعة قطر ومعهد إمري يونس.
سادساً: في مجال الطاقة والصناعة: تم التوقيع على اتفاقية التعاون في قطاع الغاز الطبيعي بين قطر للبترول وبوتاس التركية لتوريد الغاز.
- أكد الجانبان ضرورة بحث سبل تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية في مجال الطاقة.
سابعاً: في مجال البنوك والمصارف: التوقيع على مذكرات التفاهم التالية:
مذكرة تفاهم بين بنك قطر للتنمية وبنك التصدير والاستيراد التركي، مذكرة تفاهم بين بنك قطر للتنمية وبنك التنمية الصناعية التركي، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الأعمال المتبادلة بين بنك قطر للتنمية وترك إيكزيبنك، والتوقيع على اتفاق بخصوص المشاريع المتوسطة والصغيرة.
ثامناً: في مجال النقل والمواصلات: التوقيع على: مشروع اتفاقية النقل البحري، مذكرة تفاهم بشأن الاعتراف المتبادل بالشهادات الأهلية للعاملين في البحر، بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
تاسعاً: في مجال الصحافة والإعلام: التوقيع على بروتوكول التعاون في مجال الصحافة والإعلام، بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
عاشراً: في مجال الصحة: اتفق الجانبان على مواصلة التشاور بقصد استكمال دراسة مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الصحة والعلوم الطبية، وإعدادها للتوقيع عليها خلال انعقاد الدورة الثانية للجنة.
الحادي عشر: في مجال الجمارك: أكد الجانبان على تكثيف الجهود من أجل الوصول إلى الصيغة التشاورية حول مشروع اتفاقية التعاون والمساعدة المتبادلة في الأمور الجمركية، بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية، لإعدادها للتوقيع عليها خلال انعقاد الدورة الثانية للجنة.
الثاني عشر: في مجال الثقافة: التعاون والتشاور بشأن مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في المجال الثقافي، لإعدادها للتوقيع عليها خلال الدورة الثانية للجنة.
الثالث عشر: في مجال الشباب والرياضة: عبر الجانبان عن رغبتهما في توطيد التعاون بينهما في هذا المجال، وذلك عن طريق مناقشة التوقيع على اتفاق التعاون في مجال الشباب والرياضة بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية، مشروع البرنامج التنفيذي الأول لاتفاق التعاون في مجال الشباب والرياضة.
الرابع عشر: في مجال الأرشيف: رحبت اللجنة بالتوقيع على اتفاقية التعاون في مجال الأرشيف بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
الخامس عشر: في مجال القانون والقضاء: مواصلة التشاور لاستكمال دراسة مشروع اتفاق للتعاون في المجال القضائي.
السادس عشر: في مجال البيئة والزراعة: رحبت اللجنة بالتوقيع على مذكرة التفاهم في مجال الزراعة بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
السابع عشر: في مجال البلديات والتخطيط العمراني: أكد الجانبان رغبتهما في التعاون والتنسيق في مجال البلدية والتخطيط العمراني.
الثامن عشر: في مجال السياحة: دعا الجانبان إلى تكثيف التعاون بينهما في هذا المجال، وذلك من خلال: تبادل الزيارات بين المسؤولين والمهتمين في قطاع السياحة؛ للتعرف عن قرب على المؤهلات التي يزخر بها البلدان، وقد سلم الجانب التركي لنظيره القطري مشروع مذكرة التفاهم للتعاون في مجال تنظيم المعارض بين حكومة دولة قطر وحكومة الجمهورية التركية.
التاسع عشر: في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات: رحبت اللجنة بدراسة مسودة مشروع بروتوكول التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا بين مؤسسة قطر ومجلس البحوث العلمية والتكنولوجية بالجمهورية التركية، اتفق الجانبان على استكمال دراستهما بشأن مشروع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بين دولة قطر والجمهورية التركية.
العشرون: في مجال الاستثمار: جدد الجانبان تأكيدهما أهمية الاستثمارات في توطيد التعاون الاقتصادي بين البلدين، وأوصت باستكمال الجانبين دراستهما بشأن مشروع أفشين البستان.
الحادي والعشرون: في مجال الاقتصاد والتجارة: استعرض الجانبان مختلف مجالات التعاون الثنائي، وأكدا ضرورة توفير آليات جديدة للتعاون ينسجم مع التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات التعاون بين البلدين، والظروف الاقتصادية الراهنة، كما أوصت اللجنة باستكمال الجانبين دراستهما بشأن مشروع اتفاقية الشراكة التجارية والاقتصادية.
الثاني والعشرون: لجنة المتابعة: اتفق الجانبان على مواصلة أعمال لجنة المتابعة، تنفيذا لتوصيات وقرارات اللجنة المشتركة، ورفع تقرير حول أعمالها للبلدين.
copy short url   نسخ
14/11/2017
2025