+ A
A -

روى ابنُ عساكر في كتابه تاريخ دمشق، والدّميريّ في كتابه حياة الحيوان:

أنَّ تلميذاً للفقيه «الشِّبليّ» رآه في المنام بعد موته، فقال له: ما فعلَ اللهُ بكَ؟

فقال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا أبا بكرٍ أتدري بِمَ غفرتُ لكَ؟

قلتُ: بصالح عملي!

فقال: لا!

قلتُ: بإخلاصي في عبوديتي؟

فقال: لا!

قلتُ: بتسبيحي، وصومي، وصلاتي؟

فقال: لا!

قلتُ: بهجرتي إلى الصالحين، وإدامة أسفاري في طلب العُلوم؟

فقال: لا!

فقلتُ: يا رب، هذه المنجيات التي كنتُ أعقِدُ عليها خنصري، وظنَّي أنك بها تعفو عني وترحمني!

فقال: كل هذه لم أغفِرْ لكَ بها!

قلتُ، يا رب، فبمَ؟

فقال: أتذكرُ حين كنت تمشي في دروب بغداد، فوجدتَ هِرَّةً صغيرةً قد أضعفها البردُ، وهي تنزوي من جدارٍ إلى جدارٍ من المطر، فأخذْتَهَا وأدخلتها في فروٍ كان عليكَ وقايةً لها من البرد؟

قلتُ: نعم!

فقال: برحمتكَ لتلكَ الهِرَّة، رحمتُكَ!

مثل هذه الرُّؤى تُروى في مجالس الصَّالحين استئناساً، وفي مجالس النّاس حثًّا وموعظةً، وما أحبُّ التّوسع فيها، غير أن التَّابعين حدَّثوا بشيءٍ من هذا، وقد أكثر الإمام الذّهبيُّ من قص الرُّؤى والمُبَشِّراتِ في سير أعلام النُّبلاء.

وهذه القصة يوجد أمثالها في الصَّحيح، فإنَّ بغيَّ بني إسرائيل أدخلها اللهُ تعالى الجنَّة بسقيها كلبٍ شربة ماء! وامرأة دخلت النار في هرَّة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاشِ الأرض!

ومهما يكن من أمرٍ، فلا شكً أنَّ الله رحيم يُحِبُّ الرُّحماء، وأنه ما امتلأ قلب بعد التوحيد بشيء خير من الرَّحمة!

سُقيا الكلاب الماء لا تغفر كبيرة الزّنا، ولا يقول عاقلٌ أنه يُفهم من الحديث أن لا بأس أن يزني المرء ثم يُكفِّرْ عن هذا بسقيا الكلاب! وإنما غفر اللهُ تعالى للبغيّ لما رأى سبحانه من الرَّحمة في قلبها في تلك اللحظة، فغفر لها امتناناً منه عليها سبحانه وليس تشريعاً لنا!

اِرْحَمُوا تُرحَمُوا،

في كل ميادين الحياة متَّسع للرّحمة، فكونوا رُحماء!

ارحموا الزّوجات والأولاد في البيوت،

وارحمْنَ الأزواج من كثرة الطلبات التي تهدُّ الظهر وتُشعِرُ بالعجز مع ضآلة الرَّواتب!

ارحَمُوا الخاطب فما جاء إلا طالب عفَّةٍ،

ارحمُوا المتخرجين الجُدد فمن أين يأتون بالخبرة إذا كنا جميعاً لن نوظفهم إلا إذا كان عندهم خبرة!

وقبل كلِّ هذا لا تنسوا النَّاس في غزَّة، بعضهم يرتجفُ في الخيام، وبعضهم ليس لديه خيمة من الأساس! وإن كان نصرهم لا يد لنا فيه، فإغاثتهم بأيدينا!

إنَّ اللهَ تعالى من رحمته لن يسألنا عمّا ليس في أيدينا، ولكننا مُحاسبون بما نقدرُ له، فأرُوا اللهَ أننا جسد واحد تداعى كلّه لأنَّ عضواً فيه قد أُصيب!

copy short url   نسخ
25/12/2023
370