+ A
A -

يَذوب إحساسك ذوبان حبّات شوكولا لا تقاوِم حرارة صفيح ساخن، ويَلين كالقطن قلبُك الذي ييبس يوما بعد يوم تحت مطرقة الظروف القاسية، يحدث هذا وذاك ما أن تتأمل في فيديو أجنبي مَشهَد رجُل عجوز يهديه أحدُهم وردة فواحة، فإذا به يعانق شريكة حياته المسنة المرافقة له في المطار ويهديها بدوره الوردة المهداة معبرا لها بابتسامة طفولية صادقة عن رقة الموقف الذي جعله يقدم لها أحلى ما تشتهيه عينا عاشقٍ لتوأم روحه.

كانت طيات وجهيهما وخريطة تجاعيدهما وترهلات آخرِ العمر تَقف شاهدة بعمقٍ على حياة تكاد تنطفئ، غير أن لهيب الحبّ كان يَشتعل، يَشتعل ليتدفق كالنهر الخالد بين ضفتي قلبه وقلبها، فكان يقول كلمته الأخيرة، من باب الشهادة، على قصة عشق قرمزي يشتعل في أعماقهما إلى آخر نفس، عشق يقاوِم الإبادة.

لا إبادة مطلقة قد تخطر ببالك غير تلك التي تُمليها الحرب، ولا عشق تتمدد طهارته سوى ذاك الذي ستقرأ سطوره وصفحاته في عيون تُحَصِّنُها البراءة وتَحرسها عين الله، تلك هي براءة عيون المسنين والأطفال.

لذلك لا شيء يكسر إنسان اليوم إلا الحرب التي تمتص البراءة بقتلها للشيوخ والأطفال، ولا شيء يأسر الدمعة في العين سوى حرقة القلب حزنا وكمدا برحيل وقار الشيوخ الذي يسقط عند عتبة دمائهم المهدورة، وكذلك هو رحيل ورد الطفولة التي تُنسى ضحكاتها المدوية ودُماها وأحصنتها الخشبية في آخرِ المقطورة.

يذبل الورد في زمن الحرب، وتَخِزُ حلقَك وخزَ إبر صينية شوكةُ الحسرة على ما فات من ماضٍ دفنَّاه في القلب، تمضِي يا صاحبي مضيّ الراحلين عن دنيا كان أجمل ما فيها ألحان عصافير الحياة التي تقف على غصن الطفولة، هكذا هي البشرية هرمَتْ، هرمَتْ ورحلت برحيل الوردِ البطولة.

يُخِيفُكَ ليلُ الحياة التي ما عاد صبحُها ينجلي، هي الحياة التي ما عُدْتَ تَعرف لغدها توقعات، ومتى؟ في ظل تخبط أبطالها على امتداد ما قد تخطط لها من سيناريوهات.

ونَحِنُّ، نَحِنُّ مكسورين، منكسرين، لشمس الغد الذي لا تتوعدنا غيومه بالمزيد من الحجارة التي ترشق قلوبنا المبللة بالرجاء، بينما تسابق خطانا ظلالَها ما أن تزجّ بنا الآلام في سجن الحزن الأبدي ما بين قَدَرٍ وقَضاء.

لنا في كل بلدٍ أحِبَّة، وفي كل عين رسالةُ شوق، وعلى امتداد كل ثغرٍ لحنُ ابتسامة يَعِدُ بها جنينُ الأمل الراقد، الأمل، الأمل يا صاحبي في أن تمتد الأيادي تباعا لتغلق صنبور دماء الحرب.

ماذا ستتركون للأجيال الصاعدة يا صُنَّاعَ الحرب وقد ألبستموها رداء الحِداد؟

ماذا ستكتبون من أناشيد تُفجِّر الحناجر وقد خانكم لسانُ الصدق لا الْمِداد؟

ولماذا تُقَلِّمُون أظافر كل رغبة لغابة الحياة في أشجار الحُبّ؟

أعطونا الطفولة، وخذوا ثقافتكم ثقافةَ الحرب لا الورد.

copy short url   نسخ
23/12/2023
90