+ A
A -
نعم ?اترينهُ العرض اليوم (للنساء فقط) عنوان إعلاني مؤثر يستدعي حشرية الجميع وهذا ما أقصده عمداً، فقد ظلّت المرأة طوال حقب طويلة من الزمان تعيش ظلمات القهر واليأس والمعاناة في صراع مباشر مع جنسها الذي فرض عليها أن تكون مغايرة ومختلفة تمام الاختلاف عن الرجل ذي البنية الصلبة.
وقد تجاوزت الفروقات هذا الحد البسيط إلى فروقات ارتبطت بالمكانة والدور الاجتماعي الذي تلعبه المرأة في المجتمعات.
ورغم أن المسائل شديدة الوضوح بالنسبة لنا -نحن أبناء عصر النور- فالموضوع في شقه القديم وأمام أنظار أبناء عصور الظلام (رحمهم الله) كان خلافا تمام الخلاف، حيث ان المرأة التي نجدها اليوم تشكل نصف المجتمع وتدفع نصفه الآخر من الرجال إلى الأمام، كانت كائنًا جانبيًا مكملاً لظروف الحياة العاتية، ولولا أنَّ الظروف حدَّت الرجال (برحمة الله) على عدم الاستغناء عن عدد من النساء لوُئِدَت النساء جميعًا.
والمستقرئ لتاريخ المرأة عبر العصور في بيئاتنا الشرقية وحتى الغربية، يجد أنَّ المعاناة أفضت بها أن تُشاطر الرجال جنبًا إلى جنب، وأن تقف بمحاذاة الرجل تمدُّ لهُ يد العون وتكون في أول الركب في كثير من المجالات والميادين.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، عندما برزت أقلام نسائية عربية متميزة في مجالات الشعر والقصة والرواية، اتخذ النقاش حول هذه الظاهرة الإبداعية المكتوبة منحى لا يخلو من مغالطات ونزوع إلى الاختزالية وتذويب الظاهرة في مستنقع خطاب ذكوري يائس يعزف عن رصد التعبيرات الناتئة الحاملة لبذور المناهضة وزحزحة مركزية الذكورية العربية.
وفي المقابل عندما طُرحت قضية المرأة في العصر الحديث، جاء الطرح مقترناً بوعي متعدد الأبعاد والمظاهر، وهو وعي أنضجته كتابات ونضالات ذكورية ونسائية، إلا أنه دخل في منعطف حاسم عندما تولّت النساء أنفسهن المطالبة والتعبير والتنظيم لانتزاع الحقوق المهضومة، وتقويم الحيف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المفروض، وهذا المسار الذي عرفته قضية المرأة في أوروبا وأميركا هو الذي عرفناه في المجتمعات العربية منذ الثلاثينيات بغض النظر عن حجم وصلابة النتائج والمكتسبات المتباينة عندنا وعندهم.
تشهد عدد كبير من الدراسات العلمية الحديثة للمرأة بإمكانياتها التي قد تؤول على أنها (متقدمة) على نظيرها الرجل، ومنها أنَّ دراسة علمية حديثة أتثبتت أن المرأة تستطيع أن تفكر أو تركز في شيئين في نفس الوقت، أما الرجل فلا يستطيع إلا التفكير في شيء واحد فقط، لذا تستطيع الزوجة التركيز في أعمال المنزل وتربية الأطفال في وقت واحد، وفي مقالة لمارك جونجور اختصارها أن عقل الرجل صناديق، وعقل المرأة شبكة وهذا هو الفارق الأساسي بينهما، عقل الرجل مكون من صناديق مُحكمة الإغلاق، وغير مختلطة، فهناك صندوق السيارة وصندوق البيت وصندوق الأهل وصندوق العمل وصندوق الأولاد وصندوق الأصدقاء وصندوق المقهى، وإذا أراد الرجل شيئاً فإنه يذهب إلى هذا الصندوق ويفتحه ويركز فيه وعندما يكون داخل هذا الصندوق فإنه لا يرى شيئاً خارجه، وإذا انتهى أغلقه بإحكام ثم شرع في فتح صندوق آخر وهكذا، وهذا هو ما يفسر أن الرجل عندما يكون في عمله، فإنه لا ينشغل كثيراً بما تقوله زوجته عما حدث للأولاد، وإذا كان يُصلح سيارته فهو أقل اهتماماً بما يحدث لأقاربه، وعندما يشاهد مباراة لكرة القدم فهو لا يهتم كثيراً بأن الأكل على النار يحترق، أو أن عامل التليفون يقف على الباب من عدة دقائق ينتظر إذناً بالدخول.
أما عقل المرأة فهو شيء آخر! إنه مجموعة من النقاط الشبكية المتقاطعة والمتصلة جميعاً في نفس الوقت والنشطة دائماً وكل نقطة متصلة بجميع النقاط الأخرى مثل صفحة مليئة بالروابط على شبكة الإنترنت، وبالتالي فهي يمكن أن تطبخ وهي تُرضع صغيرها وتتحدث في التليفون وتشاهد المسلسل في وقت واحد.
ويستحيل على الرجل - في العادة - أن يفعل ذلك، إذن هناك اختلاف جميل بين الجنسين يجعل الحياة وسطا يحتمل القسمة العادلة عليهما بالتساوي والإنصاف.
قارئي العزيز، اجتمعت قبل خمس عشرة سنة في بكين مندوبات من 189 دولة في مؤتمر المرأة العالمي الرابع للأمم المتحدة، وكان هذا الاجتماع بمثابة نداء للعمل، نداء موجه إلى المجتمع العالمي للعمل من أجل إصدار القوانين، وإدخال الإصلاحات، والتغييرات الاجتماعية الضرورية لضمان حصول جميع النساء والفتيات في كل مكان على الفرص التي هن جديرات بها من أجل تحقيق القدرات التي منحها الله لهن والمساهمة بالكامل في تقدم وازدهار مجتمعاتهن.
وقد استجابت النساء حول العالم لهذا النداء، وهذا ما حدث كثيرًا في الماضي ويحصل في بعض المجتمعات حتى يومنا هذا، أمَّا أنتِ أيتها الأنثى هاهنا، فلك ان تفخري بأن تكوني محط أنظار الدولة، فحكومتنا الرشيدة قد فتحت للنساء آفاقا واسعة لا سقف لها، فالدولة بالتالي في (انتظار) النساء الواعدة من أبناء هذا الجيل لكي يشاطروا إخوانهم الرجال بناء قطر الغد.
فحيَّ على العمل أيتها النساء، وإلى الأمام في كافة المجالات، فاليوم يومك والعصر عصرك.
لا تتخلفي أبدا واسمحي لنفسك بالظهور كي تتجلي كما تستحقين. أتمنى لكِ ولي التوفيق وكل تقديري لقارئي اليوم من الذكور.
إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر

بقلم : خولة مرتضوي
copy short url   نسخ
20/04/2018
3022