+ A
A -

نتعرض كل يوم إلى سيل جارف من المعلومات التي تردنا من العالم الخارجي. وفي هذا العصر بالذات بعد النقلات النوعية في المجال الرقمي والتقدم التكنولوجي وتطور الحضارات عموماً، أصبحت حياتنا تضج بشتى صنوف البيانات من مختلف النواحي.

فيما مضى، كانت الحياة أكثر بساطة، ومع مرور العقود الطويلة وانتشار رقعة المعرفة بعد اختراع الكمبيوتر ومد خطوط الإنترنت، لم يعد من السهل على الدماغ البشري استيعاب كل هذا الكم من المعارف اليومية. لكن ما لا يعرفه البعض هو أن عقولنا تعمل على مبدأ تصفية المعلومات الآتية من الوسط الخارجي لتحمينا من التشتت والفوضى والضياع. مع ذلك، يبدو أن غرائزنا الفطرية تتدخل في عملية تنقية البيانات، فتمرر إلينا في أحيان كثيرة معلومات مغلوطة نقبلها بدافع من رغباتنا وأهوائنا الشخصية دون إخضاعها لمحاكمة عقلية. من بين هذه الغرائز غريزة الإلحاح التي يلعب عليها مروجو المنتجات، في محاولته لدفع العملاء إلى الشراء. مثال ذلك: عرض خاص لفترة محدودة بمبلغ 99 ريالا.

في الأزمنة الغابرة كان الإنسان يستخدم غريزة الإلحاح لاتخاذ رد فعل فوري تجاه المخاطر التي تواجهه دون تفكير، لكن اليوم وسط الحياة المدنية الآمنة، فإن هذه الغريزة يمكن أن تؤذينا وتدفعنا لفعل أشياء متطرفة من غير أن نفكر فيما إذا كانت مفيدة لنا أو لا. اسأل نفسك: كم مرة اشتريت شيئاً تبين لاحقاً أنك لا تحتاجه؟ وكم مرة أبديت ردة فعل سريعة اكتشفت بعد ساعات أو لحظات حتى أنك تسرّعت؟

وعليه، يجب ألا نترك أنفسنا في مهب الرياح، وننتبه إلى ما يحفز غريزة الإلحاح لدينا. وخير ما يمثل ذلك هو كلمة «الآن». إذا أخبرك أحدهم بأن عليك القيام بفعل معين «الآن»، فاجعل ذلك مؤشراً لضرورة تحليل ما يريده منك وعدم التصرف إلا بعد تحليل وتمحيص للموقف حتى تتخذ قراراً صحيحاً؛ لأن مثل تلك المطالبات المستعجلة غالباً ما تكون في الواقع غير ملحّة، وإنما يراد إيهامك بأنها كذلك لتحقيق مآرب الطرف المقابل.

هناك غريزة ثانية تتدخل في تصفية المعلومات؛ ألا وهي غريزة الحجم التي تجعلنا نهوّل الأمور ونضخمها في مناسبات عديدة. وأكثر ما يحفز هذه الغريزة ويستغلها هي وسائل الإعلام التي تصور أي حدث تريده بأنه ذو أهمية قصوى باستخدام أدوات ووسائل إعلامية متنوعة؛ فهدفها هو كسب المشاهدات والتأثير في الناس بطريقة ممنهجة. مشكلة هذه الغريزة أنها تجعلنا نوجه مواردنا وانتباهنا تجاه حالات فردية استثنائية ونتجاهل القضايا الأساسية المهمة. مثال ذلك: إذا عض كلب إنسان فهذا خبر عادي يحصل كثيراً، أما أن يعض إنسان كلباً فهذا خبر نادر سيدفع وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليه وتضخيمه رغم أنه لا يستحق كل هذا الاهتمام.

ما عليك فعله بخصوص ذلك، هو أن تقارن الأرقام دائماً وتحلل المواقف بدقة، فلا تجعل خبراً أو معلومة تؤثر فيك دون مقارنة وتحليل منطقي. إنك بذلك تضمن عدم الانجراف وراء الوهم والمعلومات الزائفة.

غريزة ثالثة مهمة أيضاً؛ ألا وهي غريزة الخوف التي تلعب عليها وسائل الإعلام أيضاً بشكل كبير عبر أخبار غريبة غير اعتيادية من مثل: سمكة قرش أدخلت الرعب في قلوب الأستراليين؛ رغم أنه وقت ظهورها لم تحدث أي حوادث أو إصابات، فلمَ كل هذا التهويل! هنا يتعين عليك أن تقرأ ما بين السطور ولا تصدق كل ما يُقال، بل تبحث عن الحقائق خلف ما يُنقل إليك من معلومات.

أما الغريزة الرابعة فهي غريزة اللوم، والتي نشترك بها جميعاً، وهي تدفعنا لإلقاء اللوم على أي شيء سيئ يحدث في حياتنا على شخص أو ظرف خارجي. وبالتالي نعمد إلى تفسير الواقع بناء صورة مشوهة بدلاً من رؤية الحقيقة؛ وهي أننا المقصرون والمسؤولون عما يجري لنا من أحداث. وتكمن مشكلة التفكير بهذه الطريقة في إضعاف قابليتنا على حل المشكلات. لذا انتبه لنفسك، واكتشف لعبة اللوم التي تمارسها بشكل يومي ربما. أوقف زحف مثل تلك الأفكار، وابدأ في تحمل مسؤولية حياتك؛ لأنك صاحب القرار الوحيد. إن تغيير حياتنا ممكن في أي لحظة نعي فيها تلك الغرائز التي تتدخل في فهمنا للعالم الخارجي، فنحكّم العقل بدلاً من العاطفة. فإذا أردت حياة لطالما حلمت بها، ابدأ باستخدام عقلك بشكل صحيح، ولا تسمح لأحد أن يستغلك ويخلق الأوهام في داخلك.

copy short url   نسخ
18/12/2023
50