+ A
A -
كرر نظام الأسد مجزرته الأخيرة عبر السلاح الكيماوي، على مدنيي دوما، بشراكة روسية مباشرة وغطاء إيراني معتاد، فهم شركاء التنفيذ المباشر للأسد، وشركاء التأميم الجديد للدولة السورية، التي وُلدت قبل التسوية الأخيرة الدولية والإقليمية، للثورة السورية، وبالتالي هناك استعجال لتأمين هذا الحصاد.
حيث كان واضحاً كلياً، أنّ موسكو وطهران، لم تأت لضمان بقاء نظام الأسد، أو إسناد الأقلية العلوية وحلفائها، من أجل أعينهم، لتطويل حكمهم المطلق، وإنما للحصول على مقابل استراتيجي ضخم، يعزّز ثقل كل من موسكو وطهران، في منطقة الخليج والمشرق العربي.
وقبل الاستطراد في هذا المسار، نقف على اعتراض السؤال الطارئ، الذي يُشكك في هذا النفوذ، خاصة طهران، بحكم تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً، والإشارة إلى حرب قادمة لمواجهة طهران، وتقليص نفوذها، والذي تزامن مع نفير غربي لتطويق موسكو، بعد تصفيتها لجاسوس روسي معارض على الأرض البريطانية.
فالجواب على هذا الاعتراض، هو جزء أساسي في فهم جيوبولتيك الخليج المستقبلي، ونستطيع تحليله كالآتي:
1 - ضمن صراع النفوذ وقعت مواجهات عديدة، بين قطبي العالم، من بعد الحرب العالمية الثانية، غير أن هذه المواجهات، زمن الحرب الباردة، بين واشنطن وموسكو، لم تتحوّل إلى مواجهة عسكرية مباشرة، وهذا متفق عليه فيما يبدو بين المراقبين.
2 - لكن ما يُطرح هو إعادة تحجيم موسكو، ضمن خطة شاملة، تتبنى حرباً عسكرية، على حليفها الصاعد الاستراتيجي، وهي إيران، وإقدام واشنطن على حرب عسكرية، مهما بلغت قياسات وإضرابات ترامب، ستؤدي بالمنطقة إلى مسارين.
3 - الأول اشتباك مسلح عسكري واسع، في منطقة مخزون النفط الأساسي للعالم، وفقدان قاعدة اللعبة مع طهران، التي وصل إليها الغرب عبر سنوات حوار ومصالح، بغض النظر عن مستقبل الاتفاق النووي، وهي القاعدة التي تدير توازناً للصراع، لا يسمح بسبب رغبة أساسية في الغرب، بتحويله إلى مواجهة مسلحة تخلط الأوراق، على استقرار مصالح الغرب، وأمن إسرائيل، واستنزاف واشنطن لثروات الخليج، القائم اليوم، ومسرح عملياتها العسكرية.
4 - والثاني أن وضع إيران، والمواجهة معها، أكثر تعقيداً، من المخاطر التي استوجبت الاتفاق، الذي تم تأمينه بين كوريا الشمالية، وبين واشنطن، فلماذا تُقدم واشنطن على خيار الحرب.
5 - ولا يُنكر هنا، صعود خطاب صقور الحرب، ولا تحفيزات واضطرابات ترامب، غير أن الحقيقة، تبقى أن ذلك، لا يزال تحت قاعدة إدارة اللعبة، وأن ضجيج الحرب، الذي تكرر في مواسم عديدة، لم يتحول إلى مواجهة عسكرية، وأقصى ما يمكن هو عملية قصف نوعية، لرفع سقف التفاوض لخضوع إيران، لتعديلات سياسية، أو وضعها تحت الضغط المباشر لمرحلة معينة.
6 - أما فرص دعم الثورة المدنية في إيران، ضد الدولة الدينية، فهذا مسار تحدده صعود حركة المعارضة الداخلية، وتحالفاتها المستقبلية، وخاصة في الجسم الأساس للحكم، أي القومية الفارسية والأذرية، في الجمهورية الإيرانية.
ودون هذا الصعود القادر، على تفجير الشارع، منذ ثورة مصدّق السياسية الفكرية، حتى ثورة الزعيم الخميني، فلن يكون هناك أي إمكانية، لتغيير النظام في إيران، وستظل دولة رئيسية قائمة، على ضفاف الخليج العربي، مهما تغير الحكم من الداخل.
7 - أما بدائل ترامب التي لا تزال تحلب، من حلفائه في الخليج العربي، فهي لا تحتاج خوض المعركة، بقدر ما يُذكّرهم بالدفع عند كل جولة، لتسديد فواتيره التي لا تنتهي، وبالتالي هذه الدول الضعيفة التي تستمطر حربه، ستخضع لقراره حين يحين، بأن عليهم، أن يقبلوا بالصفقة، التي ستنتهي لها جولة التصعيد، وأن يواصلوا الدفع بصمت.
هنا تبرز لنا خريطة الجيوبولتيك للخليج الجديد، فضغط أوروبا على موسكو، سيصل إلى مساحة محددة، ولكنه لن يوقف وراثة التحالف الإيراني الروسي لسوريا، وما يترتب عليه في لبنان، وانتصار حليفهما في اليمن، وهيمنة طهران المطلقة، على كوردستان العراق، في ظل تحالفها مع موسكو وأنقرة، أي أنها اليوم، هي القوة الأولى في العراق.
أما قدرات أبو ظبي والرياض، بتحويل فصائل البيت السياسي الشيعي، الحاكمة في بغداد، لصالحهم في مواجهة إيران، فهو وهم ساخر، فإيران تقبض على الأرض والأيديولوجيا، وتدير ملفات العراق بكل مهارة، وعبر الضغط والاستقطاب، وحتى التصفية لحماية نفوذها، باحتراف بالغ، تعاملت معه واشنطن، وتعامل معه الغرب، وليس مناورات الهواة.
ربما يتبقى أمر أكدته قيادات كبرى، من فصائل البيت الشيعي الحاكم، هو أنها تعمل بهدوء لتنظيم حوار بين الرياض وطهران، تخضع فيه الأولى لقواعد لعبة جديدة، ونلاحظ هنا أن المشروع الجديد للخليج في بغداد، عبر أبو ظبي والرياض، لا يدعم القوى المدنية السنية والشيعية، ولا يدعم المناطق المنكوبة في الموصل أو الفلوجة أو الأنبار، كاستحقاق إنساني وعربي.
وإنما تركيزهم كان، على دعم حكومة العبادي بمشاريع مباشرة، وزيارات حميمية، تنتهي غالباً إلى مصالح إيران في النهاية، وسيحكم التاريخ على ذلك.
هنا يظهر لنا أن التحالف الإيراني الروسي، الذي تحولت أنقرة للتعامل الإيجابي معه، بعد تجربة مرة لها، مع واشنطن وشكوك ضخمة، في موقف الاتحاد الأوروبي من وحدتها، واستقرارها، والدور الذي لا يزال بعده الحساس قائماً، لموقف حلف شمال الأطلسي من انقلاب تموز 2015 الفاشل، جعل أنقرة تنظم تحالفها الجديد، كمصلحة قومية مطلقة، لا علاقة لها بأي أممية، أو بخطاب دعم الثورة السورية، الذي تطوى صفحاته اليوم.
ولكن ينبغي الانتباه، إلى أن تحالف موسكو وطهران، سيظل أساسياً، مقابل انضمام أنقرة، أو أي طرف عربي فيما بعد، وحسابات الطائفية السياسية، تتخذ دوراً مركزياً في هذا الصعود، والتحالف الجديد، الذي لن يستأذن الغرب، في زحزحة مساحة لصالحه، وهي اليوم مؤثر كبير على ما تبقى، من بنية الخليج العربي الممزق سياسيا، وسنستكمل في قادم المقالات، الحديث عن واقع الخليج العربي الجديد، تحت نفوذ المستثمرين الجدد.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
10/04/2018
3189