+ A
A -

يُخَيَّلُ إلينا أحيانا أن كوكب الأرض البائس يَكاد يَسقط مِن فَرط تَآكُله بفعل قوة آلة الحرب الجهنمية التي تَطحَن وتَطحَن، فإذا بالعقل البشري الذي يُدِيرُها يَنطَح ويَنطَح، وما من خاسِر سوى هذا الكيان المُسمَّى الإنسان.

الإنسان في هذا الكوكب البارد والمظلِم يَختلّ ميزان تفكيره رغبة في ألفِرار، في ظل تقاعُس مَن يهمهم الأمر عن اتخاذ القرار، إنه القرار الرامي إلى وقف عرض المسلسل الدامي، ألا وهو مسلسل الحرب النازفة نزف صنبور لا مَحِيدَ عن إغلاقه كي لا تبكي الطيور.

يَتهشّم رأس جَرّة الحكمة، وتَسقط جِياد المنطق والمعقول، تَسْقُطُ تباعا لِتُسِقِطَ معها كل قانون يُمَجِّد سيادة الإنسان ويُثَمِّن الحياة، فإذا بحصاد الموت يغطي على خريطة الانقياد لغريزة حُبّ البقاء، وإذا بِلَون الحِداد يُغَيِّبُ قوسَ قُزح الذي كان يَهذي بعناقه الأحياء.

لا صوت يَعلو على صوت الموت، ولا عين تَنبطِح لغير سَوْط الإبادة التي تلجم الصوت، ولا شيء، لا شيء يؤذن بجني ثمار شجرة السلام النفسي في ظلّ رَدْح الدَّبَّابَة التي لا تَسمَح بِفِرار ذُبابة.

استعراض جنائزي رهيب هذا الذي تُوثقه الحروب التي تتناوب على إطفاء مشعل الإذعان لسلطة الحياة. ويوما بعد يوم، ها هي تَمضي قوافل الباقين على سطح الكوكب المسكين، تَمضي هي مُنْذِرَةً باقتلاع زرع القلب واشتعال الزيتون والتين.

كوكب الأرض يَغلي غليان بركان، ولا يَدري المرء إن كانت الدماء، دماء الإنسان، ستحلّ مشكلة الانتكاسة المائية (التي تهدد بموت الكوكب) إن فاض جوف الأرض بعيون الدماء التي تحلّ معادلة عدم الاكتفاء من الماء.

رَهيب ومرعب هو سجنُ النفس البشرية التوَّاقة إلى انجلاء ليل الترقُّب والانتظار، وموغِل، موغِل في الوحشة هو طريق صمت صُنّاع القرار، وما مِن بارقة أَمَلٍ في استعادة الحياة على ظهر الكوكب بعيدا عن كُلاَّب الحرب الذي يَلْوِي عُنقَ حمامة السلام، ويَكسر جناحيها والناسُ نِيام.

copy short url   نسخ
16/12/2023
30