+ A
A -
جريدة الوطن

افتتح، أمس، في جاليري المرخية بمطافئ: مقر الفنانين، معرض «تحولات اللون.. انتباهة الكائن» للفنان سلمان المالك، ويستمر حتى الثامن من فبراير 2024.

ويقدم المالك عبر 47 لوحة فنية، تم توزيعها بشكل احترافي على قاعة المعرض بجاليري المرخية ، رحلة خاصة، في عوالم خياله الواسع والمتدفق.

وحول دلالة عنوان المعرض (تحولات اللون..)، لفت سلمان المالك في تصريح لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، إلى أن المتابع لمسيرته الفنية يرى أنه يستخدم الألوان بكثافة وجرأة، وأنه من خلال التجربة الحالية، أراد التفوق على نفسه بخوض تجربة اللونين الأبيض والأسود وتدرجاتهما، وترك المتلقي حرية البحث عن الألوان المختبئة داخل هذين اللونين، فضلا على أن ذلك هو محاولة لطرق الجديد والهروب من منطقة التكرار في التجربة ذاتها.

وفي السياق ذاته، شدد على أنه من خلال ما سبق، يتحرك داخل التجربة ذاتها بالإضافة والحذف، منبها في الوقت نفسه إلى أن الفنان إذا استمر في تقديم الشيء نفسه، فإنه يصل إلى مرحلة العقم الفني والإبداعي.

وأشار المالك إلى أن معرضه الذي يتنوع ما بين أعمال أنجزها قبل أكثر من 10 سنوات خلت إلى الوقت الحالي، يسعى إلى الجديد والتجديد، مبينا أنه من خلال معارضه المتعاقبة، والتي كان آخرها معرضه الشخصي قبل خمس سنوات في القاعة ذاتها، يرسم يوميا بصفة مستمرة، مؤكدا في الوقت نفسه أن الرسم عنده مسألة وجودية، حيث يجد ذاته ونفسه، ولديه إمكانية لإقامة ما بين 3 و4 معارض.

وقال: «خلال هذه الأعمال، أقدم شكلا فنيا جديدا قد يكون مختلفا بعض الشيء عما اعتاده الجمهور مني، حيث وصلت مؤخرا إلى محطة فنية جديدة، فبينما كنت أستعين بشكل المرأة بعباءتها التقليدية أصبحت الآن أتجه إلى أبعاد أكثر عالمية تستهدف الإنسان بعموميته، بعيدا عن المرأة كمفردة أساسية، كما اتجهت كذلك لمفردات أخرى تساعد في تطعيم اللوحة بالإثارة البصرية والمتعة للناظر، كما أسعى لاكتشاف الألوان في اللوحة عبر الخيال البصري، فرغم ضبابيتها هناك بصيص من الأمل ومحاولة لتلمس المقصود من قبل المشاهد».

من جانبه، أثنى الفنان التشكيلي يوسف أحمد على ما قدمه زميله سلمان المالك، وعلى تجربته الفنية الرائدة محليا وعالميا. وقال في تصريح مماثل لـ «قنا»: إن سلمان المالك يعد من أهم فناني قطر ورائدا من رواد تشكيليي قطر، ولا غرابة أن يشاهد الجمهور هذا الفنان الناضج صاحب التجربة الثرية.

تتفرد لوحات سلمان المالك بقدرتها على تقديم الأصالة والمعاصرة، أي تقديم لوحات تحمل الهوية المحلية بقوالب فنية معاصرة، وهي الفلسفة التي نجح فيها بامتياز، وترك بصمة استثنائية ومتفردة، أكد خلالها الهوية المحلية والعربية والدينية، في لوحات تنبض بالحياة عبر قدرات متميزة في استخدام اللون.

لقد شغلت قضية الأصالة والمعاصرة الكثير من الفنانين، كما الأدباء، لكن قلة هم الذين تمكنوا من المواءمة بين عنصريها، فالأصالة إضافة إبداعية واعية للموروث من شأنها تنمية القدرات المادية والروحية لدى المجتمع، وهو ما استطاع الفنان المالك تحقيقه، وما يحسب له بالتأكيد.

إن تحقيق عمل فني جمالي ينتمي إلى الموروث لابد لمبدعه من استيعاب الخصائص الجمالية والرمزية والفكرية لحضارته بحيث يحتل الموروث بالنسبة للمبدع المنهل الجوهري المتجذر لأن التوحد مع العمل الفني ناتج طبيعي من صدق التعبير والإحساس (الأصالة في العمل الفني) وما على الفنان الأصيل الذي يمتلك رؤية وقيمة وتصوراً للواقع إلا أن يرتقي بالمتلقي إحساساً ووجداناً، وهذا الحس التعبيري للفنان التشكيلي هو إبداع فني مؤثر، لأن الرؤية الحضارية للفنان المبدع تدخل في بنية العمل الفني حين يعبر العمل عن العودة إلى فطرة الماضي وهو في فكره ورؤياه الجمالية يجعل من العودة إلى الفطرة والينابيع الأولى من مهام العمل الفني الأساسية، وهذا ما نقف عليه ونحن نتأمل لوحات الفنان سلمان المالك في المعرض الذي حمل اسم: «تحولات اللون.. انتباهة الكائن».

لقد استطاعت التكوينات العامة للوحات أن تبرز مشهدية بصرية خاصة، لا تمل من النظر إليها، يتألف موضوعها العام من فكرة رئيسية تطوع من خلالها كل ثيمات المعاصرة للتعبير عن الحياة الماضية، لذا فقد استخدم المالك ألوانا تتناسب مع الموضوع الذي لطالما شغله، وهو الإرث القطري، الذي عبر عنه بأكثر الأدوات جمالا، هذه الألوان جعلتنا نشعر بالدفء، أو لنقل بالترحاب والترحيب، كما أعطتنا طاقة أكبر، ورغبة أوسع لتأمل كل لوحة على حدة، ثم لتأملها معا وكأننا أمام «حكاية تراثية» جميلة تتناثر بين جنبات المعرض.

لطالما كان اللون أداة الفن القوية، وفي «تحولات اللون.. انتباهة الكائن» استطاعت ألوان المالك أن تنقل لنا مشاعر شخوصه التي استلهمها من البيئة المحلية، وكأنها تسرد علينا قصص الماضي بفيض من الأحاسيس والعواطف.

وكما استطاع الفنان المالك أن يبهرنا بألوان تنبض بالحياة، فإنه استطاع أيضا أن يبهرنا باستخدام الدرجات بين اللونين الأبيض والأسود وهي القيمة التي لها مقياس يتدرج من الفاتح جداً أو الأبيض وحتى الداكن جداً أو الأسود، في عناصر العديد من اللوحات. التواصل الحضاري أمر حتمي، فالأصالة محصلة لدراسة الموروث والتوجه به نحوها ولا يتأتى هذا إلا بالربط الجدلي ما بين الموروث وواقع العصر والقدرة الذاتية المتفردة للفنان المعاصر، وقد استطاع الفنان سلمان المالك أن يوظف الموروث من خلال إبراز القدرات الملهمة للتراث وإعادة بناء ذاته بوعي جديد.

قلما لجأ الفنان المالك إلى التجريد المحض في أعماله، فقد أدرك منذ بداياته أن لديه ما يتكئ عليه، ويستلهم منه، فقدم إلينا مجموعة من الأعمال التي عكست ببساطة، لكن ببراعة، ما نريده كمتلقين، من الفن، هذه البراعة أساسها الاستناد إلى هوية واضحة ينبوعها الأول التراث والبيئة، لذلك جاءت اللوحات صافية كصفاء الينابيع ورقتها.

يذكر أن سلمان المالك من مواليد الدوحة عام «1958» وحصل علي بكالوريوس تربية وفنون من القاهرة عام «1982»، وهو أحد رواد التشكيل القطري، ممن ساهموا في إثراء المشهد التشكيلي، كما يعتبر من العلامات البارزة على خريطة الفن التشكيلي الخليجي والعربي، وتتميز تجربته التصويرية بملامح أساسية من أبرزها تلك القدرة البليغة على التعبير الحر من خلال أسلوب تقني خاص يميز لوحاته المختلفة والتي يسعى من خلالها لإنتاج نص بصري أصيل ينتمي بجذوره المعرفية إلى الموروث المحلي الذي يشكل جزءا رئيسيا من تكوين الفنان ويتنامى شيئاً فشيئاً ليحتل مساحة لائقة ومميزة في التشكيل المعاصر.

copy short url   نسخ
13/12/2023
150