تكمن فينا جميعا نزعة إلى البحث خارج أنفسنا، عن العوامل التي تصوغ حياتنا، ويرتبط النجاح والفشل عادة في أذهاننا بما يدور حولنا، «وهكذا ترى الاشخاص الراضين عن أنفسهم يعدون هذا العالم مكانا طيبا ويحاولون المحافظة عليه، بينما نجد المحبطين يفضلون التغيير الجذري» هذه العبارة وردت في كتاب «المؤمن الصادق» الذي قام بترجمته الاديب الكبير الراحل غازي القصيبي والذي جاء في بدايته مقولة للكاتب الفرنسي «باسكال»: «يود الإنسان أن يكون عظيما ويرى أنه صغير، ويود أن يكون سعيدا ويرى أنه شقي، ويود أن يكون موضع الحب والتقدير من الناس، ويرى أن أخطاءه لا تجلب له سوى كراهيتهم واحتقارهم، إن الحرج الذي يقع فيه نتيجة هذا التناقض يولد لديه أسوأ النزعات الاجرامية التي يمكن تخيلها، ذلك أنه يبدأ في كره الحقيقة التي تدينه وتريه عيوبه» وهذه البذرة الأولى التي تصنع الإرهاب والإرهابيين.. والامثلة كثيرة من حولنا للأسف... إن النزعة إلى البحث عن أسباب خارج انفسنا تستمر كما يذكر مؤلف الكتاب الفيسلوف «اريك هوفر» حتى عندما يكون من الواضح أن وضعنا هو نتيجة عوامل داخلية، كقدراتنا أو شخصيتنا أو صحتنا، وهلم جرا. يقول المفكر «ثورو» عندما يشكو المرء شيئا يحول بينه وبين القيام بواجباته، حتى لو كان ألما في معدته.. فإنه يبادر إلى محاولة إصلاح العالم» من وجهة نظره طبعا.. ومن المفهوم أن الفاشلين ينزعون إلى تحميل العالم جريرة فشلهم، الا أنه من العجيب أن الناجحين بدورهم مهما كان اعتزازهم بحصافتهم وخبرتهم وبقية هذه الخصال الحميدة، يؤمنون في قرارة أنفسهم، أن نجاحهم جاء نتيجة المصادفات والحظ السعيد. إن ثقة أكثر الناس نجاحا في أنفسهم ثقة ناقصة، لأنهم ليسوا متأكدين من أنهم يعرفون كل العوامل التي كانت وراء نجاحهم، إن إحباطنا عندما نملك الكثير، ونريد المزيد يفوق إحباطنا عندما لا نملك شيئا ونريد القليل، ونحن أقل تذمرا حين نفقد أشياء كثيرة منا. حين لا نفقد الا شيئا واحدا، نحن نغامر في سبيل الحصول على الكماليات أكثر مما نغامر لكي نحصل على الضروريات. وكثيرا ما يحدث أننا عندما نتخلى عن الكماليات نجد أنفسنا! وقد فقدنا الرغبة في الضروريات، إن أكثر الناس صراخا في سبيل الحرية كثيرا ما يكونون أقل الناس سعادة في مجتمع حر، إن المحبطين الذين تحاصرهم عيوبهم يعزون فشلهم إلى القيود والمعوقات الخارجية، الا انهم في حقيقة الأمر يتمنون أن يزول مناخ الحرية المتاحة للجميع ويودون إلغاء المناقشة الحرة وما ينتج عنها من امتحان دائم للفرد في مجتمع مفتوح، وينجحون عن طريق المناداة بالحرية في قمع الحريات، ويتظاهرون بالتدين وهم أشد الناس إساءة للدين...انظر حولك وسترى ان تحليل المؤلف لسلوك هذه الجماعات والذي صوره في كتاب صدر منذ ما يزيد عن ستين عاما صادق وصادم وحقيقي ويعاني منه الجميع الآن دون استثناء.

بقلم : وداد الكواري