+ A
A -

لا يمكن للزيارة التي قامت بها سعادة لولوة الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي في وزارة الخارجية على رأس وفد قطري إلى قطاع غزة أن تمر مرور الكرام، وإنما سيتوقف عندها المحللون والمراقبون طويلا وهم يؤرخون ليوميات العدوان على غزة، ويوثقون بكل إعجاب شجاعة السياسة القطرية وحنكتها الدبلوماسية، في أنصع صفحات التاريخ، يسجلون أن دولة قطر هي أول دولة عربية، أو بالأحرى أول دولة بين دول العالم قاطبة ترسل وفدا رسميا إلى أخطر منطقة في العالم، في وقت يتجنب خلاله الكثيرون مجرد الاقتراب منها، فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، إنه موقف أخلاقي إنساني، نُشعِر به الأشقاء هناك بأنهم ليسوا وحدهم، وبأننا لن نخذلهم أبدا، ومن هذا المنطلق كان سعي قطر لتثبيت هدنة سكتت فيها أفواه المدافع، وتوقفت منصات الصواريخ، وجنازير الدبابات وغارات الطائرات، وإن كان معلوما لدى الجميع أن دأب الصهاينة الغدر نقض العهود.

نظل نقول بكل فخر واعتزاز أن قطر بلد الأفعال، ليس من باب العاطفة الوطنية وإن كانت حقا لنا، وإنما من باب التجرد والموضوعية، نعم قطر بلد الأفعال وليست أية أفعال، وإنما تلك التي تستقطب الانتباه وتثير الإعجاب، وتجابه التحديات، مستلهمين المبادئ الثابتة من قائدنا، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، الذي قال على مرأى ومسمع من العالم يوم الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي: «لا يجوز السكوت عن القصف الهمجي غير الـمسبوق الذي يتعرض له الـمدنيون في قطاع غزة، إحدى أكثر الـمناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم، ولا تجاهل الأعداد الـمهولة من ضحاياه الأبرياء من الأطفال والنساء».

فها هي سعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر، وزير الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية، تخاطر وتخترق الحصار، تزور أطفال غزة الأبطال، الذين وصفتهم صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع بالرجال، في قولها: «نشهد يا أطفال فلسطين أنكم ولدتم رجالا»، يا لها من عبارة تشحذ الهمة، وتقوي العزيمة، وتذكي روح البطولة، وتشد أزر أهل غزة الذين يواجهون في بسالة وتضحية بالغالي والنفيس أعتى وأحدث الأسلحة الفتاكة التي أنتجتها مصانع آلات الموت في أميركا والغرب، فلقد عبرت ملهمتنا صاحبة السمو عما يجيش في صدورنا كنساء قطريات.

تابع العالم كله عبر منصات التواصل الاجتماعي والفضائيات سعادة لولوة الخاطر وهي تخاطر وتدخل أخطر منطقة في العالم لتجبر الخواطر، فتتواجد بين أشقائنا في غزة، تحيِّي فيهم أرواح الشهداء، وتقدم لذويهم واجب العزاء، تزور المرضى، وتقدم لهم الهدايا وتداعب لأطفال، لتبث الطمأنينة في قلوبهم، فتشعرهم أن الدنيا لا تزال بخير بعد أن فقدوا الأمل في وجود أي الخير، تحدثت لأهل غزة الجريحة حديثا بقدر ما نزل بردا وسلاما على قلوب الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى أثار الشجون، وسالت له الدموع من العيون، كل كلمة وعبارة فيه ألقت بجبل من الأحزان واليأس والإحباط من على كاهل كل من سمعه.

سجل قطر الإنساني حافل بمد أيادي الخير نحو من يحتاج في أي مكان بهذا العالم، ومساعداتنا لأهلنا في غزة ليست إلا واجبا علينا، لذلك تزامنت زيارة سعادة لولوة الخاطر للقطاع مع وصول طائرتين تحملان 46 طنا من المساعدات، بينهم ست سيارات إسعاف مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية، ليبلغ مجموع الطائرات القطرية منذ بدء العدوان 16 طائرة بإجمالي 580 طنا من المساعدات، والحديث عن دعم قطر للأشقاء يطول لا يتسع له المكان ولا الزمان، لأنه لا يقتصر على أوقات جولات صراع مع الصهاينة لاسترداد الحق الفلسطيني، فلطالما قدمت دعما إنسانيا سخيا للقطاع المحاصر منذ 2006، مع الاهتمام الكبير بالنواحي الطبية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر برنامج زراعة قوقعة أذن في مستشفى سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية في غزة، لإعادة نعمة السمع لـ 250 ممن فقدوها، بخلاف مئات الملايين من الدولارات لتخفيف حدة المأساة التي يعيشها أبناء القطاع منذ سنوات، منها خمسمائة مليون عام 2021 لإعادة الأعمار، وأعلنت قطر عن مواصلة الدعم حتى يسترد الفلسطينيون أرضهم، فاللهم اجعل هذا في حسنات بلدنا الذي نذر نفسه للخير والسلام، واجعلها دائما كما أرادها المؤسس كعبة المضيوم.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
03/12/2023
265