+ A
A -

في مثل هذه الأوقات من العام الماضي وجه العالم كله أنظاره صوب قطر،يشهد ويشاهد بإعجاب ذروة وهجها وألقها، حيث كانت منافسات مونديال 2022 ، واحتضانها لنجوم الساحرة المستديرة على أرضها، بحضور الجماهير الذين جاءوا من كل حدب وصوب بالملايين لتشجيع منتخباتها، ولم ولن يخبو هذا الوهج وهذا التألق، فها هي تحتضن هذه الأيام وطوال فترة معرض إكسبو البستنة ضيوفا من ثمانين دولة مشاركة، ومثلهم شاركوا ويشاركون في فعاليات أخرى كثيرة لا تتوقف، نرى ونحضر ونتابع أنشطة نوعية، سياسية واقتصادية وثقافية، محلية وعربية وعالمية، لا تخطئها عين، تطير أخبارها إلى كل مكان، وكلها ولله الحمد لخير الإنسان، وجملة القول إن التاريخ يُصنع على أرض قطر، أو قطر تصنع التاريخ، آلاف من الزائرين القادمين ومثلهم من المغادرين، جاءوا في مهام جليلة ولأهداف نبيلة، فبلدنا بلد حيوي بامتياز، وواحة أمن وسلام وسط عالم يموج بالقلاقل والحروب والآلام، بلد يسعى للخير وتحقيق الأحلام، بالفعل لا بالقول أو معسول الكلام.

وما كان لقطر أن تتبوأ هذه المكانة لولا حكمة قيادتنا، وجهود حكومتنا، وما أسفرت عنه بطولة كأس العالم من تحقيق الاستدامة لكل ما تم تشييده من مرافق، ارتقت بالحياة إلى أعلى معايير الجودة، في المقدمة منها البنية التحتية من طرق وجسور، ومحاور لتسهيل حركة المرور، ومرافق النقل العام من طرق وخطوط القطارات، إلى شبكات المترو والموانئ والمطارات، ومن الحدائق العامة والمتنزهات، إلى المدارس الحديثة والمستشفيات، وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وبالطبع تشييد الملاعب والمنشآت الرياضية بتصميمات راعت الاستدامة البيئية وتداعيات التغيرات المناخية، منشآت فريدة وجاهزة لتنظيم كبريات البطولات العالمية.

تحقق كل هذا خلال 12 عاما من التخطيط السليم والعمل الدؤوب، منذ إعلان فوز قطر عام 2010 بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، فلم تبخل على تشييد ما يحقق الرفاه الاجتماعي، وتنويع مقدرات الاقتصاد، فأنفقت بسخاء ما يقارب الـ 750 مليار ريال، من أجل رفعة الوطن ورفاهية المواطن.

وليس هذا فحسب وإنما شرّعت الأبواب أمام القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي لإقامة مشاريع نوعية تجارية وسياحية، باستثمارات تقدر بعشرات المليارات، مثل مراكز التسوق والمولات، وتطوير قطاع العقارات، وتشييد الفنادق السياحية، والساحات العامة والترفيهية، ليعم الخير على الجميع من أبناء قطر والمقيمين والزائرين، وتجني الأجيال القادمة أيضا من مكاسب المونديال الشيء الكثير، وبما أن لغة الأرقام هي الأصدق في هذا المقام، تكشف الإحصاءات الرسمية بلوغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 864 مليار ريال بنهاية العام 2022، مقارنة بـ 455 مليار ريال عام 2010، ومما يشرح الصدر تجاوز نمو الاقتصاد القطري عام 2022 توقعات صندوق النقد الدولي، فالصندوق توقع معدل نمو 3,4 % لكن ما تحقق بلغ5.3 %، وهذه من الحالات النادرة في دنيا الاقتصاد وعالم المال والأعمال، كما بلغ فائض موازنة الدولة لنفس العام 89 مليار ريال، أي 24,4 مليار دولار، وهكذا نحقق النمو المستدام، ونجني ثمار استضافة المونديال، وننوع في الاقتصاد، ونسير بخطى ثابتة على طريق تنفيذ رؤية قطر الوطنية 2030 بكل مرتكزاتها، وهذا هو المعنى الحقيقي للتنمية المستدامة.

وما أشبه اليوم بالأمس، أو الليلة بالبارحة، فالدوحة هذه الأيام تحتضن معرض اكسبو البستنة الذي يشارك فيه نحو ثمانين دولة، جاءت تقدم خلاصة خبراتها ونتائج تجاربها في تطوير الزراعة، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الرقعة الخضراء تضاعفت عشرمرات من عام 2010 حتى الآن.

ونحن على ثقة بعد انتهاء المعرض أنه لن يكون مجرد فعالية انتهت وكفى، وإنما وضع قطاع الزراعة على طريق استدامة التنمية الزراعية، وشكَّل رافدا مهما من روافد التنمية الاقتصادية، فلم يعد صغر المساحة عائقا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية، والصناعة القائمة على الزراعة، ولنا أن نتخيل كيف أن أوكرانيا مساحتها 605 آلاف كيلو متر مربع تصدر القمح وزيوت الطعام إلى دول تزيد مساحتها عن مليون كيلو متر مربع وتجري فيها الأنهار، ولنا أن نتخيل أنها في عام 2022 أي في خضم حربها مع روسيا أنتجت 40 مليون طن قمح وهو نصف ما تنتجه في الظروف العادية التي لا حروب فيها، كما تجري مراكز البحوث تجاربها ليل نهار لمكافحة التصحر والتغلب على شحمياه وجفاف الأنهار، ومواجهة شبح الجوع. إكسبو البستنة يعرض أحدث ابتكارات أساليب الزراعة والتقاوي المحسَّنة، والري الحديث، ومكافحة الآفات الضارة وتحسين التربة، أي يقدم حلولا ناجعة لكل ما يعتري طريق التنمية الزراعية من معوقات، وننتظر نتائجه في المعروض المحلي من الخضراوات والمحاصيل والفائض للتصدير، وحسنا فعلت مدارسنا التي نظمت زيارات للتلاميذ من مختلف المراحل الدراسية لترسيخ حب الزراعة في نفوس الأجيال الجديدة.

المعرض فاتحة خير على السياحة أيضا أعادها إلى الواجهة من جديد، لقد زاره في الشهر الأول ما يزيد عن 500 ألف زائر معظمهم من خارج الدولة، الذين شغلوا الفنادق ووسائل النقل والأسواق، ومن المتوقع أن يستقبل ثلاثة ملايين زائر طوال فترة إقامته، وقطر دائما تستحق الأفضل.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
27/11/2023
105