+ A
A -
سعاد فهد المعجل كاتبة كويتية

الحروب بشعة، ما من شك في ذلك، لكن الأبشع اليوم ما نراه من استعدادات عالمية لضمان استمرار تلك الحروب وبشكل أدى إلى عسكرة شاملة للعالم من حولنا، حتى وصلت الميزانيات العسكرية إلى أرقام فلكية، فها هي الولايات المتحدة الأميركية التي تحتل المرتبة الأولى في التسلّح بميزانية تتجاوز 761 مليار دولار، وروسيا بأكثر من 82 ملياراً، بينما تحتل الصين المرتبة الثانية بإنفاق يقارب 230 مليار دولار، وتتوالى بعدهم الدول (الكبرى) بميزانيات لا تقل عن 51 مليار دولار.

يرى أغلب العلماء أن الحرب ما هي إلى امتداد لسلوك الحيوانات البيولوجي روّضها البشر للدفاع عن محيطه وممتلكاته، إضافة إلى منافسة الآخر في حصص الغذاء والماء، وهم يرون أن الحيوانات بطبيعتها عدوانية، تتجلى عدوانيتها في صراعاتها وقتالها للحفاظ على جنسها والدفاع عن مراعيها، بينما تتجلى عدوانية البشر في الحروب وتتحوّر، وبحيث لم يعد الدافع من ورائها الحفاظ على المكتسبات الغذائية أو المائية أو المكانية، بل طوّرت التكنولوجيا من ذلك الدافع الفطري ليصبح أعنف وأكثر شراسة وبشكل يفوق أي تصوّر أو تفكير عقلاني.

حاول علماء النفس دائماً تفسير سيكولوجية الحروب والأسباب التي تجعل البشر يسعون إليها دائماً ويتجاوزون السلام والمحبة، وقد اتفق أغلبهم أنه من المستحيل على البشر أن يعيشوا بسلام، بدليل تاريخ الحروب الممتد عبر الحضارات البشرية المدوّنة، بل إن بعض هؤلاء العلماء، ويتفق معهم هنا علماء الجينات، يرون أنه من أبرز الأسباب التي تجعل البشر في حالة حرب وصراع دائم، كونهم في الأصل مخلوقين من جينات أنانية يتطلّب استنساخها وتكاثرها شراسة وعدوانية وأنانية، ومن هذا التكوين البيولوجي خرجت النزعة البشرية العدوانية في محاولتها فرض بقائها واستمرارها على الآخر.

قد لا تحمل مثل هذه النظريات البيولوجية تفسيراً شاملاً وقاطعاً للنزعة البشرية للحروب، لكنه يبقى عاملاً ضمن عوامل عدة تؤدي إلى ما يشهده البشر من حروب، فهنالك قطعاً جوانب سيكولوجية ونفسية تتعلّق بنهم الإنسان بشكل عام ورغبته المستمرة والدائمة في تحصيل وتحصين مُلكيته ومكانته وسلطته وزعامته. فالحروب كلها تدور في فلك احتلال أراضي الغير أو السيطرة على ثروات ومعادن وموانئ، بهدف تأمين أمن ومستقبل العِرق أو الطائفة أو القومية وغيرها من مكونات الانتماء عند البشر.

يقول الباحث البريطاني ريتشارد نيد ليبو في أحد كتبه أن هنالك أربعة دوافع للحرب وهي: الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام. ولعل الخوف هنا يحتل المرتبة الأولى من هذه الدوافع، الخوف من الآخر سمة بيولوجية راسخة في الجين البشري، مكّنتها تكنولوجيا الحروب المتطورة اليوم من أن تكون أكثر وضوحاً وشراسة وعنفاً.

في إحدى حدائق فيينا ينتصب مبنى اسمنتي كبير جداً كان يُستَخدَم إبان الحرب العالمية الثانية كملجأ إيواء من الغارات، كَتَبَ على سوره أحد خطاطي الغرافيتي جملة تقول: «لن نفعلها ثانية أبداً» ومع ذلك عادت أوروبا إلى الحرب من بوابة أوكرانيا، وقالها تشرشل بعد انطفاء الحرب العالمية الثانية أنه: «يجب أن نسدل الستار على كل ما شهده الماضي من أهوال»، ومع ذلك لم يُسدَل ستار الحروب. أما أحد الفلاسفة الغربيين فقال: «من ينسَ أهوال الماضي فلا بد أن يكررها لا محالة» والعالم لا شك ينسى دائماً أهوال الحروب.

لكن وعلى الرغم من كل ذلك تبقى سيكولوجية الحروب مسيطرة على النفس البشرية وبشكل بشع جداً نراه كل يوم في أشلاء أطفال غزة وضحاياها الأبرياء من النساء والمُسنين.

ويُجسَده جشع وعنف الكيان الصهيوني بأبشع صوره التي فاقت كل مجازر الحروب عبر تاريخ البشر.

أيتها الحرب ما أبشعك! وما أبشع الحجج التي يحملها الإنسان مع سلاحه دفاعًا عن (حقه) في قتل الآخر وتدمير الأرض! وتبقى الحرب على غزة اليوم من أبشع الحروب حيث تجرّد فيها الكيان الصهيوني من أدنى قدر من جينات البشر الخيّرة، فلم يبقَ سوى الشر السافر المتمثّل في قتلهم الأطفال وقصفهم المستشفيات بصورة فاقت بشاعتها كل ما مضى من حروب بين البشر.

copy short url   نسخ
21/11/2023
15