إن المُشاهِد والمُلاحِظ لتلك المآسي الواقعة في غزة الصامدة ليفزع فزعا شديدا من هول المنظر وشدة الألم، وإن قلوبنا الضعيفة لا تحتمل ذلك ولا تقوى على النظر الدائم والمتابعة المستمرة لتلك الأهوال من شدتها وضراوتها، فما حال من وقعت عليهم ومن يعيش تلك اللحظات كل يوم منذ عقود؟
قد وقع عليهم ذلك الظلم، وربما اعتادوا على ذلك حيث تتكرر تلك الواقعة ما بين فترة وأخرى، هم اعتادوا الألم واعتادوا أن يقفوا في وجهه وحدهم بلا إخوة ولا مناصرين، فلا تجد حولهم إلا المتفرجين، ورغم ذلك فهم صابرون صامدون يحملون أرواحهم في أكفهم غير آبهين بالموت، بل يقفون في وجهه بكل بسالة، وربما الموت يخاف منهم.
وقد صدق فيهم قول الشاعر إبراهيم طوقان:
هو بالباب واقفُ • والرًّدى منه خائفُ
فإن النساء والأطفال والرجال في غزة المكلومة لا يخافون الموت كما نخافه، فقد أصبح شيئا عابرا في حياتهم، يمر من قربهم وكلهم إيمان بأن نهاية هذا الصبر الطويل ستكون نهاية لكل ظلم وألم وعدوان.
فيا شجعان غزة، إننا نتعلم منكم الصبر على المصائب، ونتعلم منكم كيف يصبر المرء وحيدا والناس حوله متفرجون صامتون، نتعلم منكم الشجاعة كيف تكون، نتعلم منكم الهدوء والسكون في عاصفة دم هوجاء، نتعلم منكم انتظار الأمل وانتظار بزوغ ضوء النصر بعد صبر طويل.
يا من تحملون أرواحكم فوق راحاتكم، علمونا كيف يكون الصبر وكيف يكون الفداء، علمونا نحن من لا نملك لكم سوى الدعاء، فمنكم تُؤخذ الدروس والعبر، ومنكم نستلهم الصبر على المُرّ، النصر آت، النصر آت، يا أهل غزة الصامدون.