+ A
A -
مصطفى البرغوثي كاتب فلسطيني

لا يمكن وصف ما جرى في مستشفى الشفاء في قطاع غزّة إلا بأنه أُم الفضائح، إذ صوّر جيش الاحتلال ذلك المستشفى بأنه مركز القيادة الأعظم لحركة حماس، وأنه مخزن كبير للسلاح والمتفجّرات، وأن مئات المقاتلين يتحصّنون فيه ويتخذون المدنيين دروعاً بشرية، وأن أسرى إسرائيليين عديدين محتجزون فيه. وقد صوّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وقادة جيش الاحتلال، التقدّم نحو المستشفى بالدبابات بعد قصفه بالطائرات بأنه اقتحام لقلعة المقاومة الكبرى، ثم تمخّض الجبل فولد فأراً، بل لم يلد حتى فأراً، فلا وجدوا أسرى في المستشفى، ولا مركز قيادة، ولا مقاومين ولا مخازن أسلحة. لم يجدوا إلّا أطفالاً في حالة نزاع لحاجتهم للحاضنات التي قصفوها، وللأكسجين الذي دمّروا الجهاز الذي يولّده، وجرحى ومرضى في قسم العناية المكثفة يتوفّون الواحد تلو الآخر، لتعطّل أجهزة التنفّس الاصطناعي، ومرضى بحاجةٍ لغسل الكلى في أجهزة توقّفت عن العمل، بسبب قصف الاحتلال ومنع الوقود والكهرباء عن المستشفيات.

حاول المحتلون من قبل التستّر على فضيحة ادّعاءاتهم في مستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي للأطفال، بفبركة صور وادّعاءات لم تنطلِ على أحد، ومنها روزنامة مكتوبة بخط اليد فيها أسماء الأيام والتواريخ، وادعوا أنها جدول مناوبة للمقاتلين لحراسة أسرى لم يكن لهم وجود، ولم يستطيعوا إيجاد دليلٍ واحدٍ على وجودهم.

وفي مستشفى الشفاء، وبعد 24 ساعة، لم يجدوا خلالها شيئاً، أمعنوا في عمليات الهدم والتدمير لمرافق المستشفى، ثم حاولوا فبركة وجود أسلحة ثبت قطعاً، بالصورة والأشرطة، انها حُملت من جنود الاحتلال أنفسهم إلى المستشفى، ولم تقنع ادّعاءاتهم أحداً، حتى المنحازين لهم.

وأصبح واضحاً أن للهجوم الإسرائيلي المتوحش على المستشفيات واستباحتها في خرق فاضح لكل القوانين الدولية، ثلاثة أهداف: أولاً، إظهار أن حكّام إسرائيل لا يقيمون وزناً لأي قانون دولي، ولا يتورّعون عن ارتكاب أي محرّمات.

ثانياً، شلّ جميع المستشفيات، والمؤسّسات والمراكز الصحية والتعليمية، في جميع مناطق شمال قطاع غزة ومدينة غزّة، وتدميرها، في إطار عملية التدمير الشامل لتلك المناطق وبنيتها التحتية، لجعلها غير قابلة للحياة، وتقييد إمكانية عودة أهلها للعيش فيها.

الهدف الثالث الجوهري، تنفيذ التطهير العرقي بترحيل عشرات الآلاف من سكّان مدينة غزّة وشمالها الذين لجأوا إلى المستشفيات، مثل الشفاء والقدس والرنتيسي.

لم تكن مصادفة أن تبادر مستشفياتٌ كثيرة في العالم وأطبّاؤها، من رام الله، إلى كندا وبريطانيا وإيرلندا، إلى تنظيم تظاهرات ووقفات تضامنية مع الأطباء والعاملين الصحيين الفلسطينيين، وهذه بداية الغيث. وسيكون الحساب عسيراً لكل من شارك في تنفيذ هذه الجرائم، وإن غداً لناظره قريب.{ العربي الجديد

copy short url   نسخ
20/11/2023
5