+ A
A -

الإنسان كائن فريد من نوعه، خصه الخالق بعقل استثنائي ميزه به عن سائر المخلوقات، وبث في قلبه أضداداً من المشاعر والعواطف الإنسانية تحكم تصرفاته، وتوجه سلوكياته بطريقة أو بأخرى.إذا تأملت حياة البشرية منذ فجر التاريخ وحتى عصرنا الحالي، فستدرك حقيقة أننا مدفوعون بعواطفنا أكثر من عقولنا؛ بمعنى أن الأحاسيس تلعب دوراً كبيراً في قراراتنا اليومية، وشكل حياتنا، لأنها تحدد توجهاتنا وسلوكياتنا، وبالتالي ترسم حاضرنا ومستقبلنا.في الحب على سبيل المثال، نمتاز عن بقية الحيوانات بالقدرة على الوصول إلى درجات شديدة العمق من هذه العاطفة الجياشة، لكننا في الوقت ذاته لا نحسن التصرف مع مشاعرنا الداخلية، وينقلب حالنا بين ليلة وضحاها أحياناً من قمة الهوى إلى قمة الضجر. إن هذا التقلب في المشاعر الإنسانية، يشبه أمواج البحر التي بالكاد تعرف سكوناً. فهي أشبه بالمد والجز، لا تركن إلى الهدوء إلا وتجيش من جديد، وتنتقل بين الفينة والأخرى من النقيض إلى النقيض تماماً. ولهذا السبب فإن العواطف البشرية متقلبة وليست ثابتة على الإطلاق، تماماً كفصول السنة، وتعاقب الليل والنهار.برغم ذلك، يبدو أن بعض الناس لا يدركون هذه الحقيقة، بل يظنون أن الحب يجب أن يكون فياضاً طيلة الوقت، كأنما ترقب إشراقة الشمس لأول مرة. فإذا تقلبت الأحاسيس أو انخفضت حدتها قليلاً اجتاحهم الحزن، وألمـّت بهم الكآبة، وظنوا أن الطرف المقابل لم يعد شغوفاً بهم كما كان في بدايات العلاقة.صحيح أن العلاقات تكون في أوجها في بداية التعارف، ثم تبدأ المشاعر في الانحدار شيئاً فشيئاً، إلى أن تتلاشى تلك الأشواق الملتهبة تقريباً، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن ينتهي الحب، بل إنه ببساطة يتخذ شكلاً آخر أكثر نضجاً.وفي بعض الحالات حيث يتمتع الطرفان بوعي كبير، وعمق شديد في العواطف، تشتعل أحاسيسهما تجاه بعضهما أكثر فأكثر بمرور الوقت، على عكس ما يحدث مع معظم الزيجات القائمة على التسرع في الارتباط، قبل التأكد من تناغم الطرفين، ووجود نقاط مشتركة بينهما من حيث الأفكار والهوايات والتوجهات والقيم الأخلاقية وغير ذلك.إن طريقة تعاملنا مع العواطف تحدد شكل علاقاتنا، فالأشخاص الذين يتسمون بالتعلق الشديد، ورغبتهم الدائمة بتدفق كبير للمشاعر مع الشريك أو الأصدقاء، يعانون في علاقاتهم مع الآخرين، ويفقدون الأحبة والأصدقاء بمرور الزمن. ذلك أن الإنسان بشكل عام متقلب الطبع والأحاسيس، لا يمكن أن يكون كل يوم وكل ساعة على نفس الوتيرة.هناك بالفعل أشخاص يستطيعون المحافظة على قوة مشاعرهم تجاه الغير مهما امتدت الأيام، فهم يعيشون حالة الحب ومشاعر الصداقة كأنما يقابلون الطرف المقابل في كل مناسبة كأول مرة. إن الواحد فيهم أشبه بشخص رأى شروق الشمس وغروبها آلاف المرات خلال حياته، لكنه كل مرة يستمتع بالمشهد الجميل، ويقدس تلك اللحظة الاستثنائية، بعكس غالبية البشر ممن يملون بسرعة.فإذا كنت من الأشخاص ذوي العواطف المتقدة معظم الوقت، عليك أن تدرك بأن فرادتك الجميلة هذه لا تعني أن الآخرين أقل منك حباً وإخلاصاً. صحيح أن أغلبنا تتقلب مشاعرهم بشكل ملحوظ، لكن هذا لا ينفي أن من بينهم أشخاصاً برغم هذا التقلب فإنهم يحبون بصدق، وسرعان ما يتجدد لهيب عواطفهم تجاه الآخر. لهذا كله، علينا أن نتعلم كيف نتعامل مع الأحاسيس المتذبذبة بحكمة وصبر، دون أن نطلق أحكاماً على الآخرين، أو نسيء معاملة من نحبهم ظناً منا أنهم لم يعودوا يكنون لنا نفس القدر من المحبة والمودة.وفي العموم، حاول أن تكون متوازناً في مشاعرك، فلا تغدق على من تحبهم الكثير من الحب، ثم يأتي وقت تنخفض فيه قدرتك على العطاء بحكم الطبيعة البشرية، فيشعرون بأنك لم تعد تحبهم كما السابق. حافظ دوماً على مستوى معين من التعبير عن عواطفك، حتى تحافظ على علاقاتك.

copy short url   نسخ
13/07/2022
5