+ A
A -
(المصرية) انحرفت بشدة في الأعالي مرتين، وهي على ارتفاع ألف «32» قدماً، قبل أن تتهاوى، وتتطاير مزقاً.
لا أحد، من بين ركابها، يمكن أن يروي لنا، لحظة الهول العظيم..
لا أحد يمكن أن يحكي لنا، ماذا كان يحدث للركاب، والطائرة تنحرفُ للمرة الأولى هذا الانحرافُ المخيف.. وتنحرفُ للمرة الثانية، وهم- الركاب- كانت لاتزال مصارينهم، تشرئب إلى فوق، وتشرئب إلى تحت، بصور كارثية، مخيفة، وهم في صدمة الانحراف الأول.
تلك من اللحظات القاسية جدا، والمؤلمة، والمفجعة، في حياة أي إنسان.
لم أكن بينهم - الركاب- بالطبع. لو كنتُ، ما كنتُ لأكتب ما أكتب، وليس هنالك من أحد، يمكن أن يكتب ما أكتبُ، بعد انحراف طائرة، مثل هذا الانحراف الذي يقلب كل ذرة من ذرات الجسد الإنساني رأسا على عقب.
رحتُ أتخيلُ، اللحظات التي سبقت الانحراف الأول. ربما كانت إحدى المضيفات تبتسمُ لراكب ما.. ربما كانت أخرى تقدم مشروبا لراكب ما. ربما كان أحد الركاب يقرأ.. ربما أن أحدهم كان في تعسيلة خفيفة، ربما كان هنالك طفل يُعيّط، وهو ينظرُ في مصيره الآتي، من وراء حجب الغيب، بكل عيني حدسه الطفولي. ربما كان هنالك من يرتب في مشاعره، لاحتضان أحباب، بعد أن توزعت مشاعره، وهو يودع أحبابا، قبل الدخول إلى صالة المغادرة!
تلك هي الحياة، صالة مغادرة، ونحن في واحدة، من حالاتنا: حالة البسمة، أو حالة نحن نقدم خدمة لآخرين، أو في حالة قبول هذه الخدمة بكلمة شكرا، أو في حالة تعسيلة أو غمدة أو نومة طويلة، أو في حالة عياط، أو ونسة، أو زعل، أو في حالة ترتيب مشاعر، بعد أن كانت قد توزعت، أو في حالتها، وهي تتوزع بين فراق، ولقاء.. لقاء نتوهم أنه سيكون!
تلك هي الحياة..
نعيش وهمها، ونحن على الأرض، أو في البحار، أو في الأعالي، حتى إذا ما جاءت اللحظة التي ليست هي وهما، بأية حال من الأحوال، تكشّفت الحقيقة، تلك التي يُغطيها الوهم!
الموت، هو الحقيقة..
هو الحقيقة التي تذهلنا عنها الدنيا، بلهوها وإغواءاتها.. ويذهلنا عنها، كل ذلك الغرور.. الغرور الذي فينا!
لكل منا، انحرافة مفزعة..
انحرافة تباغتنا، في أي مكان.. ولو كنا في بروج مشيدة..
انحرافة، تهوي بنا، إلى التراب.. ذلك الذي كنا نظن أننا قد مكنا أرجلنا عليه..
ما أبأس ظننا.
ما أفسده..
ما أقل حيلتنا.. ما انعدامها كليا، حين يُكشّر لنا الموتُ، عن أنيابه!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
25/05/2016
1418