+ A
A -

لم تكشف حرب العراق وحدها عن حجم النفاق الدولي وعن أكذوبة الشرعية الدولية والعدالة الأممية فها هي غزة اليوم تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا نعيش وسط غابة يأكل فيها القوي الضعيف، فكيف يمكن للمؤسسات الدولية والمنظمات الأممية وكل الأنظمة السياسية عبر العالم أن تقف شاهدة على مذبحة مفتوحة يُقتل فيها الصغار والشيوخ والنساء والأطفال دون أن تحرك ساكنا ؟

الجواب ليس صعبا، فقط منحت القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية دولة الاحتلال الضوء الأخضر لإبادة شعب فلسطين وأهل غزة دون الخوف من العقوبات الرادعة، بل إن نفس هذه القوى قد أمدّت دولة الاحتلال علنا بالأسلحة والخبرات والجنود لإنجاح حربها على المدنيين في غزة دون مراعاة أية حدود أخلاقية أو قانونية.

قام المسؤولون الصهاينة بالتعبير عن اعتزازهم بوقوف القوى الدولية معهم عاملين على شيطنة المقاومة الفلسطينية وشيطنة الفلسطينيين واصفين سكان غزة بأنهم حيوانات بشرية لا يستحقون الحياة. في المقابل خرس المجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن إدخال المساعدات ومستلزمات الإغاثة العاجلة إلى القطاع بسبب رفض الصهاينة مرور الشاحنات وفرق الإنقاذ.

لكن أبشع ما في هذه الحرب إنما هي جثث الأطفال الذين فاق عددهم اليوم ألف طفل من مجمل أكثر من خمسة آلاف شهيد في غزة لم يلتفت إليهم المجتمع الدولي ولا مجلس الأمن، وهي الحجة التي استعملها الصهاينة لتأليب الرأي العام العالمي حين اخترعوا أكذوبة قطع رؤوس الأطفال من قبل حماس.

السؤال الأشدّ إلحاحا هو التالي: كيف يمكن الحديث مستقبلا عن قانون دولي وعن شرعية دولية في ظل قانون الغاب السائد اليوم ؟ وكيف يمكن إقناع الدول والمنظمات والهيئات وحتى الأفراد أن هناك قانونا دوليا يحكم العالم ؟ أين المعاهدات والمواثيق والأعراف ونصوص حقوق الإنسان وكل الأكاذيب الغربية التي خُدّرت بها الشعوب طيلة عقود طويلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ؟

لا شك أن المذبحة المفتوحة التي تزال جارية في غزة ستكون لها تبعاتها الكارثية على المستوى الدولي ولا شك أن عملية الإبادة الجماعية التي يتعرض له الفلسطينيون اليوم ستلقي بظلالها الكثيفة غدا على كثير من المؤسسات الدولية. لن يقتصر الأمر هنا على التجرد من الوازع الأخلاقي أو التزييف والتضليل الإعلامي ودعم القتل والتشريد والمجازر، بل إن الأمر الأخطر هو سقوط مريع للمنظومة القانونية الدولية التي شاركت بشكل علني في التغطية على واحدة من أبشع المجازر في التاريخ الحديث.

محمد هنيد محاضر بجامعة السوربون

[email protected] -

copy short url   نسخ
26/10/2023
20