+ A
A -

وفقاً لما هو متداول من أنباء، فإن العام الجديد 2018 هو عام الانتخابات في عدة مناطق عربية ساخنة لم تتخلص بعد من موروث الانقسام والتوتر المسلح السائد منذ نحو سبع سنوات.
ومع أن الانتخابات في حد ذاتها مؤشر يدفع إلى توقع الحلحلة، إلا أنها حلحلة مشوبة بالحذر والشك بما قد يجعلها إعادة إنتاج لواقع مأزوم.
قبل أن ينتهي العام 2017 كانت الحكومة العراقية قد حسمت موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة لتعقد في مايو المقبل، وفي الوقت نفسه تصاعدت الدعوة إلى أهمية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا بوصفها المخرج من أزمة تعدد الشرعيات.
ومن بعيد وكجزء من عملية إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا، بدأت روسيا تحركاً مكثفاً لعقد مؤتمر «سوتشى» الذي يركز على وضع الدستور وإجراء الانتخابات العامة.
بداية فإن الانتخابات العامة مطلب أممي مثلما هي مطلب محلي، بوصفها الطريق الأفضل والمضمون النتائج في أي تصور لحل الأزمة السياسية في مثل حالات المرحلة الانتقالية.
هذه الآلية لا خلاف عليها، ولكن ما يعترضها من عقبات يتركز في توفير الظروف الملائمة لإجرائها من ناحية، والقبول بنتائجها من ناحية أخري، والعكس صحيح فإذا لم يتحقق هذا أذاك انقلبت الانتخابات إلى نقمة أي أصبحت في ذاتها مصدراً جديداً للتوتر وجزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.
من الظروف الملائمة أو المتطلبات أن يتم إيقاف النار من الجميع على الأقل لتوفير بيئة آمنة للراغبين في الإدلاء بأصواتهم، فلا يعقل أن تجرى الانتخابات هنا وهناك تحت وقع الرصاص.
وبنظرة بسيطة على واقع الحال في البلاد المرشحة للانتخابات، لا يمكن الجزم بأنها تعيش وضعاً آمناً، ومن جهة أخرى فإن هناك مشاكل تتعلق بالنازحين؛ حيث يصعب التأكد من أنهم يمكن أن يشاركوا في الانتخابات.
في العراق ترددت الأنباء أن التصويت سيكون إليكترونياً، ولكن ليس معروفاً كيف يتحقق ذلك في ظروف مجتمع يعيش زمناً صعباً من كل الأوجه.. وفي الحالة السورية هناك أعداد بالملايين خارج الوطن، وإذا ما حدث فرضاً أن تم توفير الفرصة لهم، فإن النظام السوري لن يقبل بنتائج تصويتهم على الأرجح.
أما في ليبيا فقد تعهد المشير حفتر بأن الجيش الليبي الذي يقوده سيعمل على توفير الأجواء الآمنة والمناسبة لإجراء انتخابات نزيهة، ولكن من الصعب التعويل على هذا التعهد في ضوء الخلافات القائمة بينه وبين حكومة الوفاق في طرابلس، وهناك مشكلات أخرى تتعلق بالقوانين التي ستتم بمقتضاها الانتخابات، تلك القوانين عليها خلاف، وتكمن أهميتها في كونها تحدد إلى حد كبير حجم الرابحين والخاسرين.
كل هذه المتطلبات هي في الحقيقة نتيجة للتوافق السياسي بين القوى السياسية، وهو ما لم يتحقق بعد في أي من الأمثلة السابقة؛ فالتوافق أولاً هو الهدف الأساس، إن تحقق أصبحت كل المتطلبات متوفرة ومن ثم تصبح نتائج الانتخابات مقبولة أو تتسم بالرضا العام.
واللافت أن التوافق محدود إن لم يكن منعدماً في الحالتين السورية والليبية، ومع أن العراق أفضل حالاً، إلا أن الحكومة قالت إنها لن تسمح للأحزاب التي لها أجنحة مسلحة بخوض الانتخابات، وهو أمر يصعب تحققه عملياً.
وفق هذه المعطيات تتحول الانتخابات العامة إلى آلية لإضفاء الشرعية على أمر واقع من المفترض أنه مرفوض ويجري العمل على تغييره حتى يمكن تحقيق انتقال سياسي ناجح أو مقبول ويحظى بشرعية قوية، كما تتحول كل جهود تحقيق التوافق كمقدمة ضرورية لإنجاح الانتخابات، إلى توافق مصنوع لا توافق طبيعي، وعند وضع كهذا يمكن أن تجري الانتخابات بالفعل من حيث الشكل، ولكن يقفز على الفور السؤال الأهم المتعلق بمدى القبول بنتائجها.. بالتجارب لا تؤدى الانتخابات بهذه الوضعية إلى استقرار، بل إلى إما إلى تصعيد جديد، أو إلى إعادة إنتاج الأوضاع القديمة، وعليه فإن التركيز على إنجاح التوافق الطبيعي لا المصطنع يجب أن يسبق الانتخابات. ولعل وطأة المعاناة الإنسانية كافية في حد ذاتها لإقناع الأفرقاء بأهمية التوافق اليوم وليس غداً.. الحلحلة مطلوبة ولكن ليس من خلال انتخابات بطعم الانقسام.
بقلم : د. عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
06/01/2018
2370