+ A
A -
رغم مرور ما يزيد على أسبوع على اندلاع الاحتجاجات في إيران التي بدأت في مدينة مشهد، التي تحظى بقدسية خاصة لدى 250 مليون شيعي حول العالم، لوجود مرقد الإمام الثامن الرضا الذي يزوره كثير من الشيعة بها، فإن تفسيرات المراقبين لما يجري تتسم بالحيرة والحذر، فاندلاع التظاهرات من مشهد له رمزية هامة تتمثل في تحدي أقوى تجمع أمني واستخباراتي للنظام، حيث تعتبر مشهد مركزا هاما لكل أجهزة الاستخبارات والأمن في إيران، لاسيما الحرس الثوري والاستخبارات ووزارة الأمن وأجهزة الشرطة المختلفة من أجل تأمين الزوار.
من ثم فإن تحدي هذه القوى الأمنية الهائلة يعكس خطورة الشرارة التي اندلعت من هذه المدينة، التي تعتبر ثالث أهم مدينة في إيران بعد طهران وقم، هذا التحدي لأكبر تجمع للقوى الأمنية خارج العاصمة دفع الإيرانيين في معظم المدن والمحافظات الأخرى إلى الخروج والتظاهر ضد غلاء المعيشة والدعم الإيراني الكبير للحروب والتنظيمات خارج إيران والتورط الإيراني المباشر في سوريا ولبنان واليمن.
وكان هذا الخروج بعفوية ودون قيادة واضحة عكس ما حدث في العام 2009 حينما كان الاصلاحيون يقفون بشكل واضح وراء الأحتجاجات بل إن هذه المرة بدا الأمر محيرا ومغايرا لاسيما وأن تظاهرات العام 2009 وكذلك التظاهرات التي استمرت فترة طويلة وأدت إلى قيام الثورة وسقوط حكم الشاه عام 1979 كان مركزها العاصمة طهران لكن هذه المرة طهران بقيت بعيدة وهو ما أصاب المحللين بالارتباك لاسيما مع سعي المحافظين لتحميل الحكومة التي يقودها روحاني والاصلاحيون المسؤولية عن غلاء الأسعار ووصول البلاد إلى ما وصلت إليه في نفس الوقت اتهم روحاني المحافظين بأنهم هم الذين يحرضون الشارع ويدفعون الناس للتظاهر من أجل إسقاط حكومته.
لكن تغير مسار الاحتجاجات مساء الأحد الماضي ومقتل 12 من المتظاهرين وإعلان روحاني أن الشعب سينزل بالملايين إلى الشوارع إذا لزم الأمر دعما للنظام والثورة وأن التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات يجب أن يكون فرصة للإصلاح وليس تهديد النظام يعني أن التظاهرات دخلت مرحلة جديدة يمكن أن تدفع طرفا من النظام للتغلب على الآخر مستغلا التظاهرات لصالحه وأن يتحول ما يجري إلى ثورة إصلاح للنظام وليس للانقلاب عليه.
لقد أدت هيمنة نظام الملالي بقبضة حديدية على حياة الناس طوال ما يقرب من أربعة عقود إلى تفشي الفساد والظلم وتركيز الثروة في يد القلة والتورط في حروب استنزاف خارجية مجهدة تستنزف ثروات البلاد وسوء توزيع بنود الميزانية والضنك الذي يعيشه الناس وتفشي الغلاء والخواء الروحي في نظام يعلن أنه نظام إسلامي أدي إلى خروج الأيرانيين في غضب عارم يعبرون فيه عن حالة الغضب واليأس والإحباط والكبت وهذا رد فعل طبيعي من شعب تمكن من إسقاط ديكتاتور فاسد في العام 1979، من ثم فإن اتهامات النظام للصهاينة والإسرائيليين والأميركيين بأنهم هم الذي يمولون هذا الغضب العارم هو هروب من الأزمة الداخلية الحقيقية التي يعيشها النظام، لكن هل ما يجري يمكن أن يتحول إلى ثورة تسقط النظام أم يستغلها جناح من أجنحة النظام للانقلاب على الآخر؟ هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمة.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
03/01/2018
32708