بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الاستغاثة مصدر استغاث وهو مأخوذ من الغوث بمعنى الإغاثة والنّصرة عند الشّدّة، ويقال الغيث في المطر، وقوله تعالى (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) يصحّ أن يكون من الغيث، ويصحّ أن يكون من الغوث، وكذا يغاثوا يصحّ فيه المعنيان.
قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى: الاستغاثة طلب الغوث وهو لإزالة الشّدّة كالاستنصار طلب النّصر، والاستعانة طلب المعونة.
ومن أسماء الله عزّ وجلّ: (المغيث) وهو بمعنى المجيب لكن الإغاثة أخصّ بالأفعال، والإجابة أخصّ بالأقوال.
وقال بعض أهل العلم: الفرق بين الاستغاثة والدّعاء. أنّ الاستغاثة لا تكون إلّا من المكروب، وأمّا الدّعاء فإنّه أعمّ من ذلك؛ إذ إنّه يكون من المكروب وغيره. فبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في دعاء المكروب، وينفرد الدّعاء عنها في غير ذلك، فكلّ استغاثة دعاء، وليس كلّ دعاء استغاثة.
أما أنواع الاستغاثة: الاستغاثة غير المشروعة: قال ابن تيميّة رحمه الله تعالى في بيان معنى الاستغاثة المشروعة وغير المشروعة: من توسّل إلى الله تعالى بنبيّه في تفريج كربة فقد استغاث به، سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التّوسّل أو غيرهما ممّا هو في معناهما، وقول القائل: أتوسّل إليك يا إلهي برسولك أو أستغيث برسولك عندك أن تغفر لي: استغاثة حقيقيّة بالرّسول في لغة العرب وجميع الأمم، والتّوسّل بالرّسول استغاثة به، وهذا لا يجوز إلّا في حياته وحضوره لا في موته ومغيبه، وذلك كلّه فيما يقدر عليه من الأمور كما قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) وكقوله تعالى: (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ). أمّا فيما لا يقدر عليه إلّا الله فلا يطلب إلّا منه سبحانه وتعالى. ولهذا كان المسلمون لا يستغيثون بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يستسقون به ولا يتوسّلون به بعد موته كما في صحيح البخاريّ: «أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه استسقى بالعبّاس وقال: اللهمّ إنّا كنّا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا فيسقون».
وأمّا التّوسّل بغير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سواء سمّي استغاثة أو لم يسمّ، لا نعلم أحدا من السّلف فعله، ولا روي فيه أثر؛ بل لا نعلم فيه إلّا المنع.
أمّا الاستغاثة المشروعة فتكون بالله عزّ وجلّ أو الأنبياء في حياتهم أو بالصّالحين من عباد الله حال حياتهم لا بعد موتهم فيما يقدرون عليه.
وقال رحمه الله: والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة كما أنّ الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة.
وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى: ومن أنواع الشّرك: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتّوجّه إليهم، وهذا أصل شرك العالم؛ فإنّ الميّت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا، فضلا عمّن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله.
ومن فوائد الاستغاثة فيها صرف الهمّة كلّها إلى الله المتصرّف في الكون كلّه بكمال قدرته واليقين بأنّ الخلق ينفّذون قدره وأمره. الاستغاثة في الأمور الّتي لا يقدر عليها إلّا الله من التّوحيد؛ فهي دليل الإيمان به وحده. بالاستغاثة تقوى عزيمة الإنسان لمعرفته بأنّ من يستغيث به قادر على إغاثته. الاستغاثة سبب من أسباب النّصر كما حدث للمسلمين يوم بدر.
وفيها تقوّي الرّوح المعنويّة للمستغيث وتعلمه بأنّ الفرج قريب. وهي مجلبة للخير، وبها يعمّ الخير العباد والبلاد.