+ A
A -

لا يخفى على ذي بصيرة الآن أن هناك أيادي خفية تعبث بعقول البشر، وجعلت من هذا العالم بيئة خصبة لنشر خرافات وشائعات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان، لا يُفهم على وجه التحديد – وإنما على وجه التقريب - ما أهدافها أو ما الطائل من ورائها، وإن كنا لا نستطيع يقينا أن نقول من بالضبط يخطط لها، فإننا نعرف أدواتها، وهم مجموعة من الدجالين، تارة تطلق إحداهن على نفسها لقب عرافة توهم الناس بانقطاع الإنترنت في تاريخ معين وتحويل العالم إلى جزر معزولة، وتارة أخرى يطل على العالم من أوروبا رجل يوصف بأنه خبير جيولوجي، يزعم بين الفينة والفينة أن زلزالا مدمرا سيقع في منطقة ما فيعيش سكانها في فزع، وواحدة لا ندري شيئا عن خلفيتها الثقافية تروج لخديعة المليار الذهبي، متأثرة بأفلام هوليوود، مدعية وجود مخطط هي على علم بتفاصيله للقضاء على سكان العالم إلا مليارا واحدا من البشر، هم في الأغلب سكان البلدان المتقدمة، الذين يملكون كل ما هو مطلوب لحياة آمنة ومريحة، وفي أحسن الأحوال يمكن ترك عدد من ملايين الفقراء الذين ينتمون إلى دول العالم الثالث لخدمة هذا المليار الذهبي!!.

لكم أن تتخيلوا حجم هذه الفرية، قتل سبعة مليارات إنسان وترك مليار واحد، والبسطاء من الناس تصدق، لأن المروجين لهذه الشائعات من أهل الشر تدربوا على وضع سيناريوهات مفبركة لكنها في نفس الوقت محكمة، في سردها مستغلين الخلل في الموازين التجارية والاقتصادية، على سبيل المثال ما أكدته بحوث رصينة أن 6 % من سكان العالم يستحوذون على 80 % من ثرواته، بينما نصيب 94 % من إجمالي السكان لا يتجاوز الـ 20% من حجم الثروات، يضاف إلى ذلك النظرة والتوقعات التشاؤمية بعدما نما تراكم الديون العالمية بمقدار 8,3 تريليون دولار في الربع الأول من هذا العام، ليصل إجمالي الدين العام العالمي إلى 305 تريليون دولار، طبقا لتقرير معهد التمويل الدولي «IIF»، بعدما كان 235 تريليونا حسب تقديرات صندوق النقد الدولي في 2022، في حين أن مجمل الناتج العالمي لا يتخطى 226 تريليونا، علما بأن هذه الأرقام قابلة للصعود والهبوط الدائم، إذ لا يمكن لأي تقرير أن يصفها بالثبات، لكن في كل الحالات توجد فجوة كبيرة بين الدين والناتج.

طرح هذا الموضوع يأتي في سياق التوعية بمخاطر هذه التحديات وغيرها، والتحذير من فقد الأمل، والإحساس بالإحباط، جراء التعرض المكثف لهذه الخرافات ليل نهار، بواسطة الآلة الإعلامية وغيرها من الأخبار التي تركز على السلبيات فتبرزها على حساب الإيجابيات، وذلك من خلال التكرار المبالغ فيه لفيديوهات الكوارث الطبيعية كالفيضانات والعواصف والزلازل التي تعرفها البشرية منذ الأزل، وأخيرا انتشار حشرة البق في فرنسا، وإيهام الجمهور المتلقي في دول العالم الثالث خاصة أن لا جدوى من الإنتاج، وهكذا يراد لمجتمعاتنا أن تبقى كيانات مستهلكة لا قوى منتجة.

من الحكمة البالغة ألا ترهق الشعوب العربية وشعوب العالم الثالث قاطبة نفسها وتبدد طاقتها في الوقوف عند هذه الخرافات، والشعور بالعجز أمام حجم التحديات، وإنما يأتي الرد عليها بتوسيع رقعة الإنتاج، وإذكاء الشعور بالمسؤولية تجاه تحسين مستوى الرفاهية، ولدينا في دول مجلس التعاون ما يدعونا للتفاؤل رغم انكماش معدلات النمو على مستوى العالم، ففي منطقتنا الخليجية تؤكد المؤشرات العالمية نموا بمقدار 2,5 % في العام الحالي، وبمقدار 3,2 % العام القادم، بينما في دول الاتحاد الأوروبي يتحقق نمو قدره 1,1 % هذا العام، 1,6 % العام القادم، وفي الولايات المتحدة الأميركية لا تتجاوز توقعات النمو هذا العام 1,1 % على غرار النمو في دول الاتحاد الأوروبي، وفي كل الأحوال لن يتجاوز 1,5 % العام القادم.

هذا هو الوضع يبعث لدينا على التفاؤل رغم الانكماش، وعلينا أن نتابع ما يجري في العالم من حولنا ونضع أنفسنا في مقارنات صادقة، ومراقبة ما يتبلور من كيانات جديدة كتحالف البريكس الذي يبلغ عدد سكانه 3,2 مليار نسمة أي 42% من مجمل سكان العالم، ويسيطر على 17% من حجم التجارة العالمية، وعلى 27% من مساحة اليابسة، وبلغ حجم اقتصاده في العام الماضي 44 تريليون دولار، الشاهد بشكل عام ألا نلتفت للخرافات ولا نخشى التحديات ولا ندع سببا يعكِّر المزاج ويعطِّل الإنتاج.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية

copy short url   نسخ
10/10/2023
40