تفوقت الدولة في اعتمادها نهجا إبداعيا منسجما مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030 آخذا في الاعتبار التغيرات والمستجدات على المسرح العالمي، وقائما على وضع الحلول الاستباقية لأية تحديات مستقبلية تهدد الأمن الغذائي، الحلول التي تصنع بها قطر التاريخ والمستقبل لجلب الخير للبشرية، وفي إطاره يأتي تنظيم «المعرض الدولي للبستنة إكسبو قطر 2023»، الذي ينطلق اليوم الإثنين، لتعزيز أساليب الزراعة الحديثة دون التخلي عن التقليدية المحلية، وهذه حكاية أخرى جميلة يرويها الواقع القطري بعنوان المعاصرة المبنية على أسس الأصالة، والجمع بين التراث والابتكار، كما شاهده ضيوف قطر بالمونديال في المنشآت الرياضية لبطولة كأس العالم 2022.
يأتي تنظيم المعرض تحسبًا لتداعيات التغيرات المناخية التي لا تبدو في الأفق حتى الآن خطوات عملية وجادة من الدول الكبرى للتعامل معها، باستثناء تحقيق النذر اليسير من بعض الأمنيات والوعود التي تم إطلاقها في العديد من المؤتمرات، والاستعراض الأول لفعاليات ومحاور المعرض يؤكد أن دولتنا كما أبهرت العالم في مونديال 2022 سوف تبهره من جديد في اكسبو البستنة 2023، بفعاليات تمتزج فيها عبقرية الزمان والمكان، مع شعار لافت للنظر، وباعث للتأمل والتدبر «صحراء خضراء بيئة أفضل» لتبعد عن العالم شبح الخوف - الذي يطل برأسه على البشرية - من نقص الماء والطاقة والغذاء، وكبح جماح التصحر الذي يزداد سنويا بمعدل 12 مليون هكتار حول العالم.
اكسبو قطر يقام في الفترة من 2 أكتوبر 2023 إلى 28 مارس 2024، وهنا تتجلى عبقرية الزمان حيث تخلل هذه الفترة احتفالية البلاد بعيدها الوطني ليعايش الزوار معنا عن كثب اعتزازنا بقيم الولاء والانتماء، وتأكيد هويتنا من خلال فعاليات ثقافية وتراثية تروي حكايتنا، وتبوح بأمجادنا من خلال درب الساعي، الذي بلا شك سيكون مزارا شائقا للمشاركين، أيضا خلال الأشهر الستة تعيش المنطقة طبيعة الفصول الأربعة في معدل درجات الحرارة والرياح اللواقح «التي تلقح الزهور» والرطوبة ونزول الأمطار، ومن المعروف أن كل حالة من حالات الطقس هذه يزرع فيها ما لا يزرع في غيرها، أما عبقرية المكان فتتجلى في اختيار حديقة البدع لتكون موقعا بديعا للمعرض، على شارع كورنيش الدوحة، حيث تتعانق الحديقة مع مياه البحر وأشجار النخيل والمسطحات الخضراء المزهرة التي تمنح المشهد منظرا خلابا وجوا ساحرا، وبمساحة مليون وسبعمائة ألف متر مربع يلتقي عليها ضيوف من كل الأعراق والحضارات والثقافات، ومشاركون من ثمانين دولة، في مناخ يفتح شهية الحوار، وطرح الجديد وطرح من الأفكار، ويوفر مناخا صحيا للابتكار على مدى 179 يوما.
من مكاسب المعرض خلق نظام لإنتاج غذاء آمن ومستدام في متناول الجميع من سكان العالم، الذين يتزايد عددهم يومًا بعد يوم، ولتثبيت النجاح في ملحمة تخضير الصحراء ووقف زحف التصحر والجفاف، والتمكين لبيئة نظيفة جميلة تضفي على النفس بهجة وسرورا.
وللمزيد حول ما يعود على قطر والعالم من وراء تنظيم هذا المعرض الخاص بالبستنة لابد من توضيح أن البستنة هي أحد العلوم الزراعية التي تعنى بتوفير وإكثار النباتات المختلفة من محاصيل وفواكه وخضراوات على مختلف أنواعها وأشكالها، لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي، وللأغراض الاقتصادية حال تغير المناخ وقسوة الطقس أو شح الماء، ويضاف إلى هذا تربية نباتات الزينة وإكثارها من أجل بيئة أفضل، فلم يعد الاهتمام بها ترفا وإنما ضرورة تفرضها تقلبات الطقس، ولعلنا ندرك مدى ضرورتها إذا تأملنا حال سكان المناطق التي ضربها والجفاف والجوع، وأنهكها المرض والفقر، وقصفها التخلف والجهل.
فوائد جمة سوف تحصدها قطر من تنظيم المعرض في المقدمة طفرة فوق العادة لقطاع السياحة، ففي مدة المعرض فقط متوقع ثلاثة ملايين زيارة، لأنه ليس حدثًا محليا فقط ولكنه إقليمي ودولي، فحوالي 80 % على الأقل من عدد الزائرين يفدون من خارج الدولة، مما يستدعي المزيد من الاستعدادات الكبرى في مجالات الضيافة وزيادة إشغال الغرف الفندقية والمرافق الخدمية، لتعزز ما نتج عن بطولة كأس العالم 2022 في نفس المجال.
ومن المؤكد أن المردود الاقتصادي الإيجابي المباشر وغير المباشر الذي ينتج عن اكسبو قطر 2023 سيكون كبيرا، أي عشرات المليارات، وهذا في حد ذاته يعزز التوجه القطري نحو تنويع موارد الدخل والاستثمار في قطاعات الصناعة والزراعة الضيافة والنقل والطيران والبنية التحتية، فضلا عن الارتقاء بمستوى الرفاهية، وإدخال التقنيات الحديثة الحالية والمستقبلية ضمن هذه المجالات، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية للمعرض مع قطاعات البنوك والمال والأعمال والنقل والطيران الحصاد والغذاء والمزارع، وهذا هو اللائق بدولتنا الغالية قطر التي تبوأت مكانة بارزة على الخريطة العالمية كواجهة سياحية واستثمارية، وإحدى أهم الدول التي تولي عناية بالغة باستخدام الذكاء الاصطناعي وأساليب الحياة الحديثة.
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية
