+ A
A -
جريدة الوطن
الدوحة /قنا/ عيد الأضحى كما عيد الفطر، هو بهجة الصغار والكبار على حد سواء في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي من مشارق الأرض ومغاربها، ويوم النفوس الكريمة تتناسى فيه أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، من أجل ترسيخ روابط الأخوة والمحبة بين الأقارب والجيران.

وفي قطر، مثل باقي العالم الإسلامي، تتأهب الأسر لاستقبال العيد بأزهى الصور، ويستعد رب الأسرة لاقتناء أضحية العيد، متحريا في ذلك سنة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإحياء لذكرى سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، التي حكى الله عنها عز وجل في سورة الصافات (102 ـ 107) (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين* فلما أسلما وتله للجبين* وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين*إن هذا لهو البلاء المبين*وفديناه بذبح عظيم). حيث بعد أن تم الاختبار والابتلاء يأتي الفرج من الله ويفدى سيدنا إسماعيل عليه السلام بذبح عظيم.. ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان، وجمال الطاعة، وعظمة التسليم، التي تعلمنا التضحية في سبيل الله بكل غال ورخيص بالنفس والمال والولد، وشكرا على نعم الله تعالى.

ويصطحب رب الأسرة معه أبناءه وأفراد أسرته إما إلى الأسواق المخصصة لبيع الأنعام، أو إلى /العزب/ (حظائر تربية الأنعام)، ليشتركوا جميعا في عملية الشراء.

وما يزال أهل قطر، أوفياء للعادات والتقاليد في عيد الأضحى، بما يتوافق مع ديننا الحنيف، رغم رياح المدنية والحداثة التي غزت كل مكان في العالم. إلا أنهم من أجل الحفاظ على نظافة البيوت والفرجان، والمساهمة في نشر الثقافة البيئية، يقصدون المقاصب التي وفرتها الجهات المعنية التي وفرت البياطرة المختصين والأيادي العاملة الماهرة، ويحضرون برفقة أبنائهم في أجواء احتفالية للوقوف على أضحيتهم، ابتغاء للأجر والثواب، ويوزعون لحمها على الأقارب والأصدقاء والفقراء والمساكين، ومنهم من يبقيها لنحرها في ثاني أو ثالث أيام العيد وهي (أيام التشريق).

وفي هذا السياق قال السيد عتيق السليطي، باحث في التراث في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "في السابق عندما كان رب الأسرة يعقد النية على أن يضحي في عيد الأضحى أو عيد الضحية أو الضحايا كما يقال بحسب اللهجة القطرية، فإنه يتوجه إلى سوق /الدبش/ كما يسمى، وكان مكانه سابقا في سوق الدوحة شرق سوق واقف وغرب المجلس البلدي اليوم، وينتقي الأضحية (الخروف أو الشاة في الأغلب) الصحيحة التي تنطبق عليها شروط الأضحية، فتراه يتفقدها من ناحية السمن والتأكد من أنها ليست هزيلة أو كبيرة في السن، ولا بد أن تكون خالية من العيوب مثل العرج أو كسر الأسنان والقرون، وبعد التأكد من كل تلك الأمور تبدأ عملية المفاصلة على سعرها حتى التوصل إلى السعر المناسب، ومن ثم نقلها بالسيارة إلى المنزل وأثناء السير على الطريق ينبغي المرور على محال الأعلاف الواقعة في الساحة بالقرب من ذلك السوق في وسط الدوحة، حيث جرت العادة أن يقوم رب الأسرة بشراء الأضحية قبل عدة أيام من حلول العيد وإبقائها في المنزل وإطعامها من الأعلاف التي تم شراؤها، أما الأبناء فيترقبون وصول والدهم إلى المنزل ومعه الأضحية وما إن يصل الأب حتى ترتسم الفرحة على وجوه الأطفال وهم يشاهدون دخول الأضحية إلى المنزل".

وأضاف: في أول أيام العيد وبعد الانتهاء من الصلاة مباشرة، كان يأتي القصاب إلى المنزل ومعه أدوات ومستلزمات الذبح منها سكينه الحادة استعدادا لذبح الأضحية ويساعده الأب في ذلك إن كان يجيد الذبح، وذلك قبل تقنين عملية الذبح في المقاصب.

ولفت إلى أن الأبناء كانوا في السابق وقبل العيد بساعات يرددون بعض الأهازيج الشعبية فرحة باستقبال العيد ويقولون "باجر العيد بنذبح بقرة، يرزف سعيد بسيفه وخنجره".

وأشار إلى أنه رغم تحول الزمان اليوم وفي ظل التطور الحاصل لم تتغير العادات والتقاليد في هذا اليوم الفضيل، إذ لا تزال الأسر ومنها الأسر القطرية متشبثة بها، ولكن تغيرت طقوس وطرق الذبح، حيث إن البعض يذهبون بها إلى المقصب لذبحها، ومنهم من يطلبها عن طريق التطبيقات لتصله جاهزة، بينما البعض يفضل إرسال قيمتها إلى الدول الإسلامية الفقيرة عن طريق الجهات الخيرية التي تتكفل بذبحها بالإنابة .

من جانبه، قال فضيلة الشيخ أحمد البوعينين إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تصريح مماثل لـ/قنا/: مع التطور الذي حصل في العالم أجمع طرأت بعض التغيرات على طرق ذبح الأضحية، فإلى وقت قريب، كان ذبح الأضحية يتم في المنزل أمام الأبناء تمسكا بالسنة النبوية وعادة الآباء والأجداد الذين كانوا يفعلون ذلك في منازلهم في فترة من الزمن لم تكن المقاصب موجودة فيها.

وأضاف، أما اليوم فنجد أن البعض يوكل شخصا آخر للإنابة عنه في ذبح الأضحية، والبعض يخرجها خارج البلاد يدفع ثمنها لذبحها في الدول الفقيرة، وأن كل تلك الأمور جائزة شرعا، ولكن يفضل ذبحها في المنزل.

من جهته أشار السيد شافي المنصوري مختص في تربية وتجارة الأغنام، إلى الشروط الشرعية الواجبة في شراء الأضحية من الأغنام "الضأن"، مبينا أنه يجب أن يكون سنها 6 أشهر فما فوق، ومن الماعز سواء العارضي أو الحجازي أو العماني أن يكون سن "التيس" أكمل السنة، وأن تكون كاملة خالية من العيوب، وسليمة غير عوراء أو عمياء، وسمينة ليست هزيلة، وليست عرجاء عرجها بين، ويفضل أن تشترى الأضحية بصوفها.

ولفت إلى أن مبادرة دعم أسعار الأضاحي للعام الجاري اقتضت توحيد أسعار شراء الأضاحي للخراف المحلية بـ900 ريال لوزن 40 كيلوغراما فما فوق، وكذلك بالنسبة للخراف المستوردة أيضا.

وقال: كنت أستعد لعيد الأضحى بشراء أو جلب الأضحية قبل يومين من حلول العيد بعد التأكد من مطابقتها لشروط الأضحية بحسب السنة، ومن ثم أبقيها في منزلي، وفي يوم العيد وبعد العودة من الصلاة مباشرة كانت الأسرة تتجهز استعدادا لنحر الأضحية وسط أجواء أسرية مفعمة بالبهجة والسرور والجميع يرتقب هذا المشهد، وكنت أحرص أن يكون ذلك أمام أفراد الأسرة لما له من بركة عظيمة، موضحا أنه قبل عملية نحر الأضحية، وبعد توجيهها إلى القبلة يردد الدعاء "بسم الله، الله أكبر، اللهم إن هذه منك وإليك، اللهم إن نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، اللهم تقبلها أضحية عني وعن أهل بيتي، بسم الله والله أكبر"، ومن ثم يتم نحرها بسكين حادة وبعد ذلك يتم البدء بسلخها، وتقطيع لحمها وتوزيعه مع إبقاء جزء بسيط للمنزل، أما الآن فتتم عملية ذبح الأضحية في المقاصب المخصصة لهذا الغرض.

وأكد حرصه على حضور الأبناء أثناء عملية نحر الأضحية لتعلم سنة الأضحية والطرق المتبعة لنحرها وسلخها وتقطيع لحمها وعملية توزيعه أيضا.

وأضاف، كان الأشقاء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي يجتمعون في صباح يوم العيد بمنزل والدهم لنحر أضاحيهم بشكل جماعي مرة واحدة، كل منهم يساعد الآخر وسط طقوس أسرية تغمرها البساطة والألفة، أما الآن فتم تحديد مقاصب نظيفة ومهيأة من حيث المكان وتوفير الأطباء المشرفين على صحة الأضحية وقصابين ذوي خبرة في نحر الأضاحي، حيث تشهد المقاصب صباح العيد ازدحاما شديدا للإقبال الكبير عليها من المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات لنحر الأضاحي.

copy short url   نسخ
07/07/2022
60