+ A
A -
هذا المقال بمثابة دعوة لتأمل المعاني باختلاف الألسن، فلكل شعب لسان وطريقة مختلفة يعبر بها عن مراده
- فـ«شهر العسل» مفردة عربية صرفة، اقتبسها منا الغربيون، فالفرنسيون يسمونه
LUNE DE MIEL
والإنجليز يصفوه بـ الـHONEY MOON
أي التمتع خلال الشهر القمري العربي لما للأخير من رومانسية، ما يؤكد أن تخصيص شهر لتمتع العروسين كان عادة عربية.
- وبينما ينادي الخليجيون صغارهم «باليهال»، يستخدم السعوديين مفردة «البذورة» والمعنى يذكرنا بعناية الفلاح لبذوره حتى تكبر، أما أبناء الصعيد فيعبرون «بالوِلد» فهو الخلف، في حين ينعت أهل المدن الأطفال «بالعيال» أي الفئة المعيلة من الأهل.
- والمصطلح العربي «التريض» يفوق الأجنبي «الإيروبكس» فالأخير يعني اللعب في الهواء، أما التريض فهو اللعب في الرياض.
- والتدبر معنى مفقود في كثر من اللغات التي تعتمد مصطلح التفكر، بينما يترجمون التدبر بـFORETHOUGHT
أي التروي علماً بأن التدبر لا يعني التفكير بروية بل مراده، البحث عما وراء المعنى، فدبر الشيء هو خلفه.
- ويسمى العرب أهل الزوج «الحماة» لحرصهم على حماية أنسابهم ومواريثهم، في حين ينعتهم
الأسبان «بالعائلة السياسية» LA FAMILIA POLITICA
كدعوة لمسايسة الفريق الخصم.
أما الفرنسيون فيلطفون العلاقة بتسميتهم بـ«بأجمل الأقارب»
LES BEAUX PARENTS للمبالغة في المجاملات لتهدئة النفوس.
بينما يقنن الإنجليز العلاقة بمصطلح
THE IN LAWS
فتتضح الظلال الرسمية على العلاقة التي تخضع برمتها للقوانين.
- ويصف سكان السهول المصرية الرجل الشهم «بالجدع» وأصلها «جذع» صلب يستند عليه، بينما يصفه السواحلية «بالعترة» أي العثرة بمواجهة الصعاب، بينما يطلق عليه الشوام «القبضاي» لصلابة قبضته أو يسمونه «الزلمة» أي المسعف، ويطلق السودانيون عليه «الزول» أي الكريم الذي إن حل عليك أزال فقرك بكرمه.
- والسخرية في العامية لها أبعاد أعمق، فيقول العوام «فلان ضحك عليك» فهو لم يخدعك فحسب، بل استمتع بالضحك عليك عقب خداعك ما يثبت الإمعان في الاستخفاف!
- وبينما قل استخدام العرب لمفردة «السوق» خاصة في المدن الذين استبدلوها بالمجمعات والبازار وMALLS إلا أن الأسواق الشعبية يسمونها «سوق الكانتو» CANTO وهي كلمة إيطالية تعني الغناء، حيث كان الباعة يغنون للتدليل على بضائعهم.
- ولكلمة عبقري أصل لدى العرب يرجع لاعتقادهم بأن من يحقق نجاحات استثنائية هو بالضرورة شخص لم يعش بينهم، بل هو وليد بيئة وادي عبقر وهو واد سحيق بالجزيرة العربية، يختلط فيه الإنس بالجن فيصيبون من علمهم العبقري، في حين يرى الغربيون أن ذوي القدرات الفائقة هم الـGENIOUS
ليقينهم أن مرجعية التفوق تحددها الجينات الوراثية THE GENES.
ولأن هناك علاقة بين المادي والمعنوي في الكلمات فإن العربية أوجدت مفردة «القِدر» للتعبير عن الإناء المادي المحدد بعلامات لتوضح كمية المقادير التي يمكن أن يحتويها الإناء.
أما في المعنوي فإن «القَدَر» يحدد لنا نصيبنا من كافة النعم بأقدار مسبقة، فكل له نصيب بقدر محدد من الحب، السعادة، المال والنجاح... إلخ.
وبالطبع فإن «القدر» أنجح في شرح المعنى من لفظة FATE
الإنجليزية أو SORT الفرنسية.
أما تعبير «المصير» فيتوئم نظيره اللاتيني DESTINY
وهو المعنى المعنوي لنظيره المادي DESTINATION
أي الوجهة أو المقصد المكاني بينما التعبير المعنوي يرادف المصير الزماني.
قد ينتهي مداد الحبر ولا ينتهي مداد البحث في أثر البيئة في استخدام المفردات، لأن بحار المعاني بلا شطآن.

بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
21/05/2016
1636